أبو ذر رضي الله عنه: تمام التقوى ترك بعض الحلال خوفا من أن يكون حراما لما في ذلك من ترك الريبة؛ لأن تركها ورع كبير عظيم. وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فقال: وكيف لي بالعلم بذلك فقال له: إذا أردت أمرا فضع يدك على صدرك؛ فإن القلب يضطرب للحرام ويسكن للحلال، ولأن المسلم يدع الصغيرة مخافة الكبيرة". والمعنى افعل الذي يحمدك الناس على فعله، ودع الذي يذمك الناس على فعله وقوله في السؤال: هل يجوز أخذ الأجرة على الحكم قال الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى: إذا ابتلي إنسان بالقضاء لا يحل له أن يأخذ شيئا إلا أن يرزقه الإمام أو يكتب مكتوبا يستحق أجرة مثله إذا لم يكن كتابة ذلك واجبة عليه، ولا يجوز له أن يأخذ على الحكم ولا على تولية نيابة القضاء، ولا على مباشرة وقف أو مال يتيم شيئا، وكذلك حاجب القاضي وكل من يلي أمور المسلمين، ومن فعل خلاف ذلك فقد غير فريضة الله تعالى، وباع عدله الذي بذله لعباده بثمن قليل، ولذا تجد بعض الفجرة الذين يفعلون ذلك يأخذونه خفية، وهذه علامة الحرام فإن الحلال يأخذه صاحبه، ولا يستحي من أخذه والله يعلم المفسد من المصلح انتهى ذلك ملخصا.
وجزم الضميري في الإيضاح فقال: ومن قال يجوز للحاكم أن يأخذ شيئا من أعيان الخصوم وجب أن يستتاب. وذكر العلامة الشمس الرملي في فتاواه أنه يجوز للمفتي أن يأخذ أجرة مثله إن كان فقيرا، والأولى في حقه التبرع بالفتوى، ولا يأخذ من مستفت أجرة وإن لم يكن له رزق، ومتى أخذ شيئا مع عدم رضاه لم يحل له ذلك. وذكر أيضا في فتاواه أن لفظ الحكم وأداء الشهادة لا يأخذ عليه أجرة، فإن احتاج القاضي إلى النظر بين الخصمين وتعطلت به مصالحه وهو فقير أو احتاج الشاهد إلى ركوب وإن لم يركب كان له أخذ أجرته وبذل أجرة ما يركبه انتهى.
وذكره في شرحه على المنهاج بقوله: وجاز له أي للقاضي طلب أجرة مثل عمله فقط وأخذها وامتنع عند آخرين والأول أقرب والثاني أحوط انتهى. وما يفعلونه الآن من المعاملة للناس بكتب الصكوك والتمسكات لأصحاب الأموال، واشتهرت بمعاملة المثالثة يدفعون العشرة بخمسة عشر إلى البيدر مثلا، ويأتون إلى فقيه ويعمل لذلك حيلة بأن يبيع المديون دواته أو كتابا أو محرمة أو سجادة أو غير ذلك؛ لأجل الخلاص من الربا وهذه الحيلة مكروهة عندنا كراهة شديدة ومحرمة عند الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فالله تعالى لا يخفى عليه شيء.
وقد ورد وعيد شديد لآكل الربا قال الله تعالى:{الذين يأكلون الربا} الآية أي يعاملون به وإنما خص الآكل لأنه معظم الأمر المقصود من المال؛ لأن المال لا يؤكل إنما يصرف في المأكول