للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالاختصار السبيل الأول أنهما لم تبلغهما الدعوة؛ لأنهما كانا في زمن الجاهلية التي عم فيها الجهل طبق الأرض وفقد فيها من يبلغ الدعوة على وجهها خصوصا وقد ماتا في حداثة السن، فإن والده صلى الله عليه وسلم عاش من العمر نحو ثمانية عشر سنة ووالدته ماتت في حدود العشرين تقريبا ومثل هذا العمر لا يسع الفحص عن المطلوب في مثل ذلك الزمان، وحكم من لم تبلغه الدعوة أنه يموت ناجيا ولا يعذب ويدخل الجنة هذا مذهبنا لا خلاف فيه بين أئمتنا ومصداق ذلك قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} السبيل الثاني: أنهما من أهل الفترة وقد ورد في أهل الفترة أحاديث أنهم موقوفون إلى أن يمتحنوا يوم القيامة، فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى دخل النار ولا شك أن الله تعالى يوفقهما عند الامتحان للإجابة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي. وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} قال: من رضى محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل أحد من أهله النار.

السبيل الثالث: أن الله تعالى أحياهما له حتى آمنا به، ثم أماتهما والله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء وليس تعجز رحمته وقدرته عن شيء، ونبيه صلى الله عليه وسلم أهل أن يختصه بما شاء من فضله وينعم عليه بما شاء من كرامته.

وقال القرطبي رحمه الله تعالى: فضائل النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل تتوالى وتتابع إلى حين مماته فيكون هذا مما فضله الله تعالى وأكرمه به وقال: وليس إحياؤهما وإيمانهما به بممتنع عقلا ولا شرعا فقد ورد في القرآن إحياء قتيل بني إسرائيل وإخباره بقاتله، وكان عيسى عليه السلام يحيي الموتى وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم قال، وإذا ثبت هذا فما يمنع من إيمانهما بعد إحيائمها زيادة في كرامته وفضيلته صلى الله عليه وسلم.

السبيل الرابع: أنهما كانا على الحنفية دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأن آباءه صلى الله عليه وسلم كلهم إلى آدم كانوا على التوحيد لقوله تعالى: {وتقلبك في الساجدين} قيل: معناه أنه كان ينقل نوره من ساجد لساجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات.

وقد سئل القاضي أبو بكر بن العربي أحد أئمة المالكية عن رجل قال إن أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار فأجاب بأنه ملعون؛ لأن الله تعالى يقول: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة} الآية. قال: ولا أدري أذية أعظم من أن يقال عن أبيه أنه في النار، ولقوله صلى الله عليه وسلم: لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات والله سبحانه وتعالى أعلم.

(سئل)

<<  <  ج: ص:  >  >>