أي أنه - صلى الله عليه وسلم - شمس فضل يستمد من فضله أرباب الفضائل، صار الظن فيه محققا، وأن ذاته بالنسبة إلى ذواتهم الشمس رفعة في الرتبة، وأن نوره بالنسبة إلى أنوارهم الضياء المفيض تلك الأنوار عليهم، فبسبب أن ذاته الشمس ونوره الضياء اختص من غيره بأنه إذا ما ضحى محى نوره الظل؛ أي ظل ذاته الكريمة، والحال أنه قد أثبت الظلال للذوات الضحاء، وما ذكرناه من حمل الظل في كلامه على ظل ذاته الكريمة هو الموافق للمنقول في سيرته الشريفة، وفهم الناظم رحمه الله تعالى أن المراد به ظل ذاته وغيرها، وأن نوره يمحو كل ظل، فمن ثم أجاب عما يرد على ذلك من أن الغمامة أظلته قبل النبوة، وكأن الغمامة بقاء ظلها مع نوره استودعته أي استودعت النبي - صلى الله عليه وسلم - من
أظلتهم من ظله - صلى الله عليه وسلم - الرفقاء؛ أي رفقاءه أي إخوانه من المرسلين، والمراد بمن أظلتهم المرسلون من ظله أممهم المؤمنون بهم وبإظلالهم لهم إدخالهم تحت ظلهم المعنوي الذي هو من ظله - صلى الله عليه وسلم - فإن شرائعهم المبعوثين بها هي شرائعه وهم نوابه فيها، وحاصل الجواب أن بقاء ظلها مع نوره استيداعها؛ أي استحفاظها إياه - صلى الله عليه وسلم - للموجودين من الأمم السابقة؛ لأنهم مأمورون باتباعه - صلى الله عليه وسلم - وقد أخذ عليهم أنبياؤهم لئن أدركوه ليؤمنن به وليحفظنه ولينصرنه من الأعداء، كما وقع لبحيرا الراهب، وقال في تائيته السبكي:
لقد نزه الرحمن ظلك أن يرى ... على الأرض يلقى فانطوى كمزية
وأثر في الأحجار مشيك ثم لم ... يؤثر برمل أو ببطحاء مكة
قال شارحها المحلي: قيل: إنه - صلى الله عليه وسلم - لا يقع ظله على الأرض تشريفا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان نورا شريفا روحانيا، وجسما لطيفا نورانيا، والنور لا ظل له كما أن الملائكة عليهم السلام حالين بين أظهرنا لا ينكر ذلك عاقل، ولذلك لا نراهم ولا نرى لهم ظلا للطافتهم ونورانيتهم؛ لأنهم خلقوا نورا صرفا. وقيل: بل تكرما لذاته الشريفة أن يوطأ ظلها بالأرجل ولا يمتهن، وشبه هذا ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان مسافرا يسايره يهودي، فلما أراد المفارقة قال عبد الله بن عمر لليهودي: بلغني أنكم تدينون بإيذاء المسلمين، فهل قدرت على شيء من ذلك؟ وأقسم عليه، فقال له اليهودي: إن أمنتني أخبرتك، فقال له: قد فعلت، فقال له: لم أقدر عليك بأكثر من أني كنت إذا رأيت ظلك وطئته بقدمي وفاء بأمر ديننا. وقيل: بل كانت الغمامة تظله - صلى الله عليه وسلم - فلا يرى له ظل. وعن النيسابوري: إنما لم يكن له ظل لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يكتب، وهو نبي؛ أي لم يقع ليده الكريمة ظل على اسم