ونحنُ في هذا الكتابِ أمام بقيةٍ من بقايا هذا العلم، وريْحانةٍ من رياحين ذاك المنهج، ونادرةٍ من نوادر النقد والتحقيق.
نحن مع مثالٍ فذٍّ، قد جمع اللهُ تعالى له من أسباب التوفيق، وآلات العلم -مع توفُّر ملكاتِ الإبداع من عقْلٍ مُتّزِنٍ، وفكرٍ ناضجٍ، ونفسٍ زكيةٍ، مع صدقٍ في الطلب، وديمومةٍ في البحث والنظر- وأهّلهُ لأن يحتلّ الصدارة بين أهل عصره.
ذلكم ... هو الشيخُ العلّامةُ ذهبِيُّ العصْرِ: عبد الرّحمن بْن يحيى المعلمي اليماني.
لقد همّنِي غيابُ أثرِ شيخنا -مِنْ زمنٍ بعيدٍ- منذ عرفتُ قدْر هذا العلم ومكانتهُ، وقد طالعت كتابهُ "التنكيل"، فوجدتُّه بحرًا لا تُكدِّرهُ الدِّلاءُ ومثله كتاب "الأنوار الكاشفة"، فعرفتُ منهما أن الله سبحانه قد ادّخرهُ لِكبْتِ أصْحاب الأهواءِ وأتْباعِهم، سواءٌ كانوا من العلماء المبرزين -كالكوثري- أو كانوا من المتعالمين المغرضين -كأبي رية.
ورأيتُ أن الله سبحانه قد دفع به في نحْر من أراد السُّنّة وأهلها وأئمتها وعقيدتهم بسوء، فأزال به الغُصُّة الّتي لم تكن لتزال في حُلُوقِ الغيورين عليها، والمتمسكين بهديها، والمعظمن لشأن أئمتها.
وكما يقالُ:"ورُبّ ضارّةٍ نافِعةٌ" فرأيتُ أن الشّيخ لم يكتفِ بالتنبيه المُجْملِ على ما في تلك الكُتُب من الانحرافِ عن منْهج الصّواب، إنّما كشف عما فيها بِأُطْرُوحاتٍ علميةٍ متزنة، بناها على الاستقراء لما فيها، والتصنيف لما تحويه من الزّلاتِ، وأجاب عن أكثرِ القضايا بنقدٍ تأصِيليٍّ مُتميِّزٍ، رفيعِ الأدبِ، عفيفِ اللسان، أرْسى فيه القواعد، ثمّ أقام الصّرْح والبُنْيان.
ثمّ طالعتُ مِنْ سائر كُتُبه: تعليقهُ على كتاب "الفوائد المجموعة" للإمام الشوكاني، فاستقبلتني مقدمةٌ قليلةُ المبْنى، جلِيلةُ المعنى، شممتُ منها عبُوق مناهج