أئمةِ النّقْدِ، وإذا فيها إلقاءُ الضّوْءِ على سبيل القوم في التعامل مع الأخبار وتعليلها، والدّعْوةُ إلى طول الممارسة لهذا الفن، باستقراء كتب الحديث والرجال والعلل، واستقصاء النظر في ذلك، مع حُسْن الفهم وصلاح النية، وذلك دون الركون إلى ما يُذكر في كتب "مصطلح الحديث" ممّا فيه خلافٌ؛ من القواعد التي لا يُحقّقُ الحقُّ فيها تحقيقًا واضحًا، وإنّما يختلفُ الترجيحُ فيها باختلافِ العوارضِ التي تختلفُ في الجزئياتِ كثيرًا.
وعملُ الشّيخ في هذا الكتاب أقلُّ شهرةً من سابقيه، ولا يكاد يعرفه إِلَّا أفراد، إِلَّا أنني باطلاعي على كتب الشّيخ -تأليفًا وتعليقًا- ألْفيْته مِنْ أنْفسِ آثاره، ومن أحْكم أعماله، فقد علّق فيه على الأحاديث تعليق عارفٍ حصيفٍ، بكلام مُتقنٍ رصين.
ولقد كشف اللهُ تعالى به في هذا الكتاب ما تفشّى من داءِ التساهلِ الّذي أصاب أنظار كثير من المتأخرين في الحكم على الرواة والأخبار، وإن الناظر في كتب المتأخرين ليجِدُ هُوّةً -ولا تزال تزداد- بين أنظارهم وأنظار أئمة النقد في ذلك، فلكثرة ما تعرضوا له من التصنيف، ولاحتياجهم إلى تقويم الرواة وأحاديثهم، فنراهم قد توسّعُوا في الاعتماد على ظواهر الأسانيد، دون التفتيش عن عللها ومظنات الخلل فيها، بل ونلحظ قصورًا في الرجوع إلى كتب المتقدمين المعنيّة ببيان ما أصاب الأخبار من تفردات الرواة وأوهامهم، فكم من حديث صححه المتأخرون أو حسّنُوه، وهو معلّلٌ، ترى إعلاله في كتب العلل، أو التواريخ، أو السؤالات، ونحوها؛ وكم من حديث قد أعلّه غير واحدٍ من النقاد، ثمّ إنك تجده فيما صُنِّف من "الأحاديث الصحيحة" أو هو مصحح في كتب التخريجات ونحوها.
وإن فطِن بعضهم لتعليل أحدٍ من أئمة النقد، فربما ردّه بأنه "لا يدري وجه هذا التعليل"، أو أنه "ليس هكذا يكون التعليل" ونحو ذلك من المضحكات المبكيات، فإنّه إن كان لا يدري وجه تعليل الإمام، فهل عدم فهمه لذلك ينفي عن الحديث