العلّة، أم يوجب عليه التوقف حتّى "يفهم؟ "، وإن تصوّر أن نظره أدق من نظرهم، وأنهم يعلُّون بما لا يوجبُ، فليضعْ قلمه، ولْيُرِحِ النَّاس من سوء فهمه، فإنّه لن يزداد على طول الأيَّام إِلَّا بُعْدًا عن الصواب، والرجوعُ إلى الحق بعد ذلك ليس بالسهل المستطاب.
ولقد ادّخر الله سبحانه الشّيخ المعلمي -من خلال هذا الكتاب- لتنقية السنة من كثير ممّا التصق بها من جرّاء ذلك التساهل المذكور، كان ممّا سجّلهُ الشّيخ في "مقدمة الفوائد"(ص ٤) قوله: "إنني عندما أقرن نظري بنظر المتأخرين، أجدني أرى كثيرًا منهم متساهلين، وقد يدلُّ ذلك على أن عندي تشددًا، قد لا أُوافقُ عليه، غير أني مع هذا كله رأيتُ أن أبدى ما ظهر لي، ناصحًا لمن وقف عليه من أهل العلم، أن يحقق النظر".
لكن لم يزل ما أبداه الشّيخ في هذا الكتاب وغيره غائبًا عن أكثر أوساط البحث في هذا العلم الشريف، ولا يزال كثيرٌ ممّا يُستحدث من الأطروحات العلمية يغيب عنها المنهج الّذي أصّلهُ شيخنا الفاضل تأسيًّا بمناهج الأئمة.
ثمّ طالعت الكتب التي حققها الشّيخ، وكانت له اليد الطولى في ضبط نصها والتعليق على المواضع المشكلة فيها، وأهمُّها: كتابُ "التاريخ الكبير" للبخاري، و"الجرح والتعديل"، و"بيان خطأ البخاريّ في التاريخ" لابن أبي حاتم، و"موضح أوهام الجمع والتفريق" للخطيب، و"الإكمال" لابن ماكولا، و"الأنساب" للسمعاني، فألفيتُه ذا نفسٍ طويل وصبرٍ على التحقيق، وطُولِ باعٍ في البحث والتفتيش، وعلمتُ أن الله سبحانه قد يسّر له باستقرائه تلك الكتب، وباطِّلاعه على كلام الأئمة على الأخبار وجرح الرواة وتعديلهم، ما هيّأ لهُ من أسباب البراعة في فهم طرائقهم، وتطبيق مناهجهم، ما سبق به الأقران، فظهر ذلك جليًّا في تأليفاته وأبحاثه رحمه الله.