ولا أستوعب هنا الحديث عن مؤلفاته وتحقيقاته، فستأتي الإشارة إلى ذلك في ترجمته، ويُعلم ممّا هناك تكامل ملكات الشّيخ.
فقد كان رحمه الله:"قارئًا مجودًا" و"حديثيًا نقّادًا" و"فقيهًا حاذقًا" و"أديبًا لغويًا شاعرًا" و"مجيدًا لطرف من اللغات الحيّة"، وغير ذلك من أنواع المعارف والعلّوم.
وأحبُّ أن أُسطِّر هنا أن النظر في ثبْتِ مؤلفات الشّيخ، كما ستأتي، والكتب التي قام بالعناية بها، وتصحيحها، دامعان النظر فيها، على تباين فنونها وتنوع علومها، ليُفسِّرُ لنا أبْعاد تلك الملكاتِ "المتكاملة" التي كان الشّيخ يتمتع بها، فأحسن استعمال "ملكاتهِ" المتنوعة في خدمة العلم في شتى فروعه، فازدادت تلك الملكاتُ عُمْقًا وإثراءً.
ولم يكن الشّيخُ مصححًا تقليديًا، بل كان من البارعين المتقنين، صاحب منهج مُميّزٍ في ضبط المخطوطات وتصحيحها، معتمدًا في ذلك على مناهج أهل النقد والاحتياط والتحقيق، قد حصّل خلال تلك الفترة الطويلة من التصحيح -وهي ما يقرب من خمسة وأربعين عامًا- على خبرةٍ عالية، وحاسّةٍ تلقائية، ولقد احتفظ له العاملون في دائرة المعارف بإمعان النظر فيما يرومون طبعه، بعد النسخ والمقابلة وإثبات فروق النسخ، فتكون له الكلمة الأخيرة في ذلك ويرمز لقوله بالحرف "ح".
وتقديرًا لمكانته وخبرته، ظلت الدائرة متمسكة به بعد انتقاله إلى مكة، فترسل إليه الكتب ويقوم بتصحيحها والتعليق عليها. كما سيأتي بشأن كتاب:"الموضح" و"بيان خطأ البخاريّ" و"الإكمال" و"الأنساب".
ولقد ترجم الشيخ تلك الخبرة الطويلة والبحث الدؤوب، إلى رسالتين بيّن فيهما ما يجب فعله على القائمين على طبع الكتب القديمة سواء كانوا من الناشرين، أو من الناسخين، أو المقابلين، أو المصححين، شارحًا الأعمال التي قبل التصحيح العلّمي،