من اختيار الكتاب، ثم اختيار النسخ العلّمية، وانتخاب الناسخ، وما ينبغي أن يكون عليه، والأمور التي ينبغي أن يلتزم بها حال النسخ، ثم ما يتعلّق بالمقابلة وشروطها، وصفات المقابلين ثم ما يتعلّق بالتصحيح.
ولقد أطال الشيخ في تلك الرسالتين؛ نصيحةً للعلم وأهله، فلا نرى أحدًا يعمل في هذا المجال إِلَّا وهو مفتقر إلى النظر فيهما بعين الاعتبار.
ومما يُقرّبُ لنا المنهج الّذي كان يقوم عليه تصحيحُ الشيخ للكتب، ما رسمه هو للصورة التي ينبغي أن يكون عليها المصححُ، فقد قال الشيخ في تلكما الرسالتين ضمن "المجموع" الّذي اعتنى به ماجد الزيادي (ص ٨٠):
١ - ينبغي أن يكون المصححُ متمكنًا من العربيّة والأدب وعلم رسْم الخط، متمكنًا من فنِّ الكتاب، مشاركًا في سائر الفُنُون، واسع الاطِّلاع على كُتُب الفنِّ، عارفًا بمظانِّ ما يتعلّق به من الكتب الأخرى، كأن يعرف أن من مظان ضبط الأسماء والأنساب "الغريبة": "لسان العرب"، و"القاموس"، وشرحه. وأن من مظانِّ تراجم التابعين:"الإصابة"، فإنها تقسم كلّ باب إلى أربعة أقسام، الأوّل: الصّحابة الثابتة صحبتهم، والثلاثة الأخرى غالبها في التابعين.
٢ - تكون اختلافات النسخ ماثلة أمام المصحح، ثم لا يُغنيه ذلك عن حضور الأصول أمامه ليراجعها عند الحاجة.
٣ - ينبغي أن يحضر عنده ما أمكن إحضاره من كتب الفنِّ، وما يقْرُبُ منها، فإذا كان الكتاب في فنِّ الرجال احتيج إلى حضور كتب الحديث، والتفسير المسند كـ "تفسير ابن جرير" و"السير"، و"التواريخ"، ولا سيما المرتبة على التراجم، و"الأغاني"، و"لسان العرب"، و"شرح القاموس"، ومعاجم الشعراء، والأدباء، والنحاة، والقضاة والأمراء، والأشراف، والبخلاء وغيرهم، ومن كتب الأدب ككتب الجاحظ، وكامل المبرد، ومعارف ابن قتيبة، وعيون الأخبار، وأمالي القالي.