وبالجملة ينبغي أن تكون بحضرته مكتبة واسعة في جميع الفنون، ويكون عارفًا بمواضع الكتب منها، ويرتبها في القرب منه على حسب ما يعرف من مقدار الحاجة إليها، فيكون أقربها إليه ما تكثر الحاجة إليه، ثم ما يلي ذلك على درجاته. اهـ
أنها كيفيةُ التعامل مع المخطوط فللشيخ فيه منهج قد أشار هو إلى شيء منه في تلكما الرسالتين، وتصحيحاتُه للكتب تُنْبِىءُ عن ذاك المنهج، وسأفرد هذا بالذكر إن شاء الله تعالى في قسم "القواعد" عند ذكر "قواعد التعامل مع المخطوطات" والله تعالى ولي التوفيق.
وعلى الرغم من تلك المنزلة الرفيعة، والمكانة البارزة التي كان يتمتع بها الشيخ بين أقرانه ومعاصريه، ومع اعزاف الجميع بفضله وعلمه -كما سيأتي- إِلَّا أن منهجه لا يزال خافيًا على كثير من المشتغلين بهذا العلم، ولقد همّني هذا الأمر من زمنٍ بعيدٍ -كما سبق- ورأيتُ -كغيري من المعتنين بهذا الميدان- ضرورة إحياءِ جهودِ هذا الشيخ، ولفتِ أنظارِ الأمة إلى شيخها وعالمها الرباني؛ فإن من أعظم المصائب التي تبتلى بها الأمم: عدم اعتنائها بأئمتها والبارزين من علمائها، حتّى إذا غفل النَّاس عن هؤلاء، اتخذوا رؤوسًا جهالًا، فضلُّوا وأضلُّوا.
وليس ضرورة الاعتناء بالشيخ من أجل التعريف به كشخص -فحسب- ولكن من أجل أن في التعريف بمنهجه إبرازًا لمنهج الأئمة المتقدمين من جهابذة هذا العلم ونُقّادِهِ، وهم الذين إليهم المرجع في هذا الشأن، فقد توفرت لديهم دواعي البراعة فيه؛ لوجود مادته، ألَّا وهي "الرواية" بكل ما تعنيه هذه الكلمة من أحوال الراوي والمرويّ.
فإليهم المرجع في الحكم على الرواة: إجمالًا وتفصيلًا؛ عدالةً وضبطًا، وسماعًا وانقطاعًا، وتحملًا وأداءً وغير ذلك من أحوالهم.