ويدل على صحة ما قاله ابن ناصر من أنه كان يذهب مذهب الإباحة ما أنبأنا به أبو المعمر المبارك بن أحمد الأنصاري، قال: أنشدنا أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي لنفسه:
دع التصوف والزهد الذي اشتغلت ... به جوارح أقوام من الناس
وعج على دير داريا فإن به ... الرهبان ما بين قسيس وشماس
فاشرب معتقة من كف كافرة ... تسقيك خمرين من لحظ ومن كاس
ثم استمع رنة الأوتار من رشأ ... مهفهف لحظه أمضي من الماس
وذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ"(٤/ ٣٧)، وذب عنه قال:
"الرجل مسلم مُعَظِّمٌ للآثار، وإنما كان يرى إباحة السماع [يعني سماع الغناء والملاهي] لا الإباحة المطلقة ... معلوم جواز النظر إلى الملاح عند الظاهرية فهو منهم"، وذكر ثناء جماعة عليه، وله ترجمة في "لسان الميزان".
والمقصود أن ابن طاهر كان له ولوع بالجمال، وتعلق به، وتسَمُّح فيه، وإن لم يُخرجه إن شاء الله تعالى إلى ما يوجب الفسق، وإنما ذكرته هنا لأن له أثرًا على حكايته الآتية، كما سترى.
في "تذكرة الحفاظ"(٣/ ٣١٨):
"قال ابن طاهر في "المنثور" أخبرنا مكي الرملي [صوابه الرميلي] قال: كان سبب خروج الخطيب من دمشق أنه كان يختلف إليه صبي مليح، فتكلم فيه الناس، وكان أمير البلد رافضيًا متعصبًا، فجعل ذلك سببًا للفتك بالخطيب، فأمر صاحب شرطته أن يأخذ الخطيب بالليل ويقتله، وكان سنيا، فقصده تلك الليلة في جماعته فأخذه، وقال له بما أمر به، ثم قال: لا أجد لك حيلة إلا أنك تفر منَّا، وتهجم دار الشريف ابن أبي الحسن العلوي ... ففعل ذلك، فأرسل الأمير إلى الشريف أن يبعث به، فقال