وهذا هو منهجه في معظم الحنفية، لم نره تكلم في أحدهم بسبب المذهب، لا من الشافعية ولا المالكية ولا الحنفية.
ولو قال السبكي: إنه كان يتعصب على الأشاعرة حَسْب لَوَجَد بعضَ الآذان الصاغية، ولبحث له المؤيدون عن بضعة نصوص قد تؤيد رأيه علمًا أني بحثت في "تاريخ الإسلام" و"سير أعلام النبلاء" وغيرهما، فلم أستطع أن أحصل على مثلٍ يصلح أن يسمى انتقادا لأشعري.
نعم قد نجد بعض تقصير في تراجم قسمم من الأشاعرة، وفي هذا المجال صرت أشعر أن سبب قصر بعض تراجم الأشاعرة قد جاء من عدم قيام الذهبي بنقل آراء المخالفين بتوسع حبا منه للعافية، كما في ترجمة أبي الحسن الأشعري الذي لم يأت الذهبي بكلمةِ نقدٍ فيه، مع أن الأشعري قضى القسم أكبر من حياته معتزليا. ونحن نعرف موقف الذهبي من المعتزلة.
والواقع أن الذهبي ما بخس فضل هذا الرجل إلى درجة أنه عده مجددا في أصول الدين على رأس المائة الرابعة (١).
أما كلام الذهبي في الصوفية، فصحيحٌ ما قاله السبكي، ولكن في النادر منهم، وهذا رأي ارتآه الذهبي، واعتقد فيه وآمن بمع فقد ميَّز بين طائفتين منهم:
أولاهما: كانت متمسكة بالدين القويم، متبعة للسنة، احترمهم الذهبي الاحترام كله، بل لبس هو خرقة التصوف من الشيخ ضياء الدين عيسى بن يحيى الأنصاري السبتي عند رحلته إلى مصر، وكان يعتقد ببعض كرامات كبار الزهاد، ويُعنى بايرادها في كتابه، بل يكثر منها عادة، ويورد بعض أقوالهم وحكاياتهم في الزهد والمحبة فيه.