أما الثانية: فقد عدهم الذهبي مارقين عن الدين، مشعوذين بِهِم مَسٌّ من الجنون ومنهم الأحمدية أتباع الشيخ أحمد الرفاعي، والقلندرية (١)، وشيخُها جمال الدين محمد الساوجي، فقد ذكر تُرَّهاته، وانغشاش الناس به وبحاله الشيطاني ووصف بعض أحوالهم في ترجمة يوسف القميني (ت ٦٥٧ هـ) فقال: "وكان يأوي إلى قمين حمام نور الدين، ولما تُوفي شيَّعَهُ خلقٌ لا يحصون من العامة، وقد بصَّرنا الله تعالى وله الحمد وعرفنا هذا النموذج ... فقد عم البلاء في الخلق بهذا الضرب ... ومن هذه الأحوال الشيطانية التي تضل العامة: أكل الحيات ودخول النار، والمشي في الهواء ممن يتعانى المعاصي، ويخل بالواجبات ... وقد يجىء الجاهل، فيقول: اسكت، لا تتكلم في أولياء الله ولم يشعر أنه هو الذي تكلم في أولياء الله وأهانهم إذ أدخل فيهم هؤلاء الأوباش المجانين أولياء الشيطان".
ولم يكن الذهبي متعصبا للحنابلة بالمعنى الذي صوره السبكي، فالرجل كان محدثا يحب أهل الحديث ويحترمهم، إلا أن هذا لم يمنعه من تناول مساوىء بعضهم؛ فقد نقل عن الإمام ابن خزيمة في ترجمة الطبري المؤرخ قوله:"ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة"، ثم قال الذهبي معقبًا:"كان محمد بن جرير ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات من جاهلٍ وحاسدٍ وملحدٍ".
وقال في ترجمة: عبد الساتر بن عبد الحميد، تقي الدين، الحنبلي، المتوفى سنة ٦٧٩:"ومهر في المذهب ... وقلَّ من سمع منه؛ لأنه كان فيه زعارة. وكان فيه غلو في السنة ومنابذة للمتكلمين، ومبالغة في اتباع النصوص ... وهو فكان حنبليا خشنا، متحرقا على الأشعري ... كثير الدعاوى قليل العلم".
(١) القلندرية: المحلقون أي الذي يحلقون رءوسهم ولحاهم.