للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذا فقد أمِنّا -ولله الحمدُ- أن تكون شريعةٌ أمر بها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم -، أو ندب إليها، أو فعلها -عليه السَّلام-، فتضيع، ولم تبلغْ إلى أحدٍ من أُمّتِه. وأمِنّا أيضًا أن يكون الله تعالى يُفْرِدُ بِنقْلِها منْ لا تقومُ بنقلِه الحجةُ. وكذا أن تكون شريعةٌ يُخطِىءُ فيها راويها الثقةُ، ولا يأتي من الدلائل أو القرائن أو الشواهد ما يُبيِّنُ خطأهُ فيه.

ولذلك فإنّه يمتنعُ أن يريد الله تعالى تشريع حُكْمٍ، ثم يقطع على الأُمّةِ الطريق الموصِّلة إليه. وهذا القطعُ إما أن يكون بعدم وُصُوله إليهم وكِتْمانِه عنهم أصْلًا، وإما بِإيصالِه إليهم من طريق لا تقومُ عليهم به حجةٌ. فالأوّلُ ممنوعٌ شرعًا وعقلًا، والثاني مردودٌ لعدم فائدته.

"ولمّا كان ثابتُ السُّننِ والآثارِ، وصِحاحُ الأحاديثِ المنقولةِ والأخبارِ، ملْجأ المسلمين في الأحوالِ، ومرْكز المؤمنين في الأعمالِ؛ إِذْ لا قِوام للإسلامِ إلا بِاسْتِعْمالِها، ولا ثبات للإيمانِ إلا بِانْتِحالهِا، وجب الاجتهادُ فِي عِلْمِ أُصُولها، ولزِم الحْثُّ على ما عاد بِعِمارةِ سبِيلِها". (١).

فإِذْ قدْ أقام الله تعالى الحُجّة بِحِفْظِ فينهِ، وكان الكتابُ لا يُخْتلفُ في سبيلِ وُصُوله، وضمِن الله تعالى لنا حِفْظ سُنةِ نبيِّهِ، فقد وجب علينا معرفةُ السبيلِ الذي ارْتضاهُ الله سبحانه ليكون حُجّةً علينا في معْرفِة معانِي كتابه، ومعالِم دِينه، وأحْكاِم شرِيعتِه.

وهذا السّبيلُ هو: "النقْلُ والرِّوايةُ".

فقد اختار الله سبحانه لِصُحْبةِ نبيِّهِ قومًا، شرّفهُم، وأعْلى قدْرهم، ورفع منزلتهُمْ، ورضِى عنهم، فحفظُوا على الأُمّةِ أحكام الرسولِ، وأخبروا عن أنْباءِ التنزيل، ونقلوا أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله، وضبطُوا على اختلافِ الأموِر أحوالهُ، في: يقظتِهِ ومنامهِ، وقُعُودهِ وقيامهِ، وملْبسهِ ومرْكبِه، ومأْكلِه ومشْربِهِ، وهم الذين شهدوا


(١) مقتبس من مقدمة كتاب "الكفاية" للخطيب (ص ٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>