قبِلُوا شريعتهُ قولًا وفعلًا، وحرسُوا سُنّتهُ حفظًا ونقلًا، حتى ثبّتُوا بذلك أصْلها، وكانوا أحقّ بها وأهلها.
وكمْ مِنْ مُلْحِدٍ يرُومُ أن يخلط بالشريعة ما ليس منها، والله تعالى يذبُّ بهم عنها، فهم الحفاظُ لأركانها، والقوّامُون بأمرها وشأنها، {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة: ٢٢](١).
ولولا هؤلاء الأئمة الجهابذة النُّقّاد الذين اصطفاهم الله سبحانه لحفظِ دينه، لاندرس الإسلامُ، ولغابتْ شمسُ الشريعة عن الأنام، ولأصبح الناس في ظُلْمةٍ دهْماء، وحْيرةٍ عمْياء، لا يميزون بين الحق والباطل، ولا الصحيح من السقيم، ولارتفع صوت الإلحاد، ولضاع حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين كيدِ كائدٍ، وحقدِ حاقدٍ.
فاللهم انفعْنا بمحبتهم، واحْشُرْنا في زُمْرتهم، ولا تفْتِنّا بعدهم، ولا تحْرِمْنا أجرهم، واجعلْنا من أتباعِهم، وحملةِ لوائهم، وبلّغْنا شرف منزلتهم، وحُسْن سيرتهم، وأمِتْنا على مِلّتِهم، إنك بنا خبيرٌ بصيرٌ.
فهؤلاء النّقاد -لما انتشرتْ روايةُ الأحاديثِ الضعيفة بِحُسْنِ نِيّةٍ من الرواة الصالحين الموصوفين بكثرة الغلط وغلبة الوهم، وبِسُوء نِيّةٍ من أصحاب الأهواء وغيرهم- شمّروا عن ساعِدِ الجِدِّ، وتأهّبُوا للقيام بالمُهِمّةِ التي أنِيطتْ بهم، وعزمُوا على تنْقِيةِ السُّنّةِ الشريفةِ مِنْ كُلِّ ما خالطها مِن الأباطيل والأكاذيب.
وأرْسى هؤلاءِ القواعد لحفظِ الأسانيدِ والمتون من الوضْعِ والتحريف والتصحيف والأوهام؛ كما اشترطوا شُروطًا وضوابط لقبُول الحدِيثِ أو ردِّهِ، غايةً في الإتقانِ.
(١) مقتبس من كتاب "شرف أصحاب الحديث" للخطيب (ص ٨ - ١٠) بتصرف.