هذه المعرفة، وهيّأ لهم من الأحوالِ، ما جعلهم علمًا للإسلامِ، وقدوةً في الدين، ونُقّادًا لناقلة الأخبار، فاجتهدوا في حفظ هذا الدين، ونفْي تحريف الغالين، وانتحالِ المبطلين، وبيانِ خطأ المخطئين، ولو كانوا من الثقاتِ المتقنين.
"وقد جعلهمُ الله تعالى أركان الشّرِيعةِ، وهدم بهم كُلّ بِدْعةٍ شنِيعةٍ، فهمْ أُمناءُ الله من خليقتِهِ، والواسطةُ بْين النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وأُمّتِهِ، والمجتهدون في حِفْظِ مِلّتِهِ.
وكُلُّ فِئةٍ تتحيّزُ إلى هوًى ترجعُ إليه، أو تستحسنُ رأيًا تعكُفُ عليه -سِواهم؛ فإن الكتاب عُدّتُهُم، والسُّنّة حُجّتُهم، والرسول فِئتُهم، وإليه نسبتُهم، لا يُعرِّجُون على الأهْواء، ولا يلتفتون إلى الآراء.
يُقْبلُ منهم ما رووْا عن الرسولِ، وهم المأمونون عليه والعدولُ، حفظةُ الدين وخزنتُهُ، وأوْعِيةُ العِلْم وحملتُهُ.
إذا اخْتُلِف في حديثٍ، كان إليهم الرجوعُ، فما حكموا به فهو المقبولُ المسموعُ.
وهم الجمهورُ العظيم، وسبيلُهم السبيلُ المستقيم، منْ كادهُمْ قصمهُ الله، ومنْ عاندهمْ خذلهُ الله، لا يضرهم منْ خذلهم، ولا يُفْلِحُ من اعتزلهم.
المُحْتاطُ لدينه إلى إرشادهم فقيرٌ، وبصرُ النّاظِرِ بالسوءِ إليهم حسِيرٌ، وإِنّ الله على نصْرِهِم لقدِيرٌ.
قد جعلهم الله سبحانه حُرّاس الدين، وصرف عنهم كيْد المعاندين، لِتمسُّكِهم بالشرعِ المتينِ، واقتفائِهم آثار الصحابة والتابعين.