ومغفرتُه عليهم أجمعين- إلا ما كان مِمّنْ ألحْق نفسه بهم، ودلّسها بينهم مِمّنْ ليْس يلحقُهم، ولا هو في مِثْلِ حالهم، لا في فقهٍ ولا علمٍ ولا حفطٍ ولا إتقانٍ، مِمّنْ بيّن أهلُ النّقْدِ حالهُم، وميّزُوهم عنْ غيرهم مِنْ أقْرانِهم لِيُعْرفوا.
ثم خلفهُم تابعو التابعين، وهم خلفُ الأخْيارِ، وأعلامُ الأمصارِ في دين الله سبحانه، ونقْلِ سُننِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحِفْظِه وإتقانِه، والعلماءُ بالحلالِ والحرامِ، والفقهاءُ في أحكامِ الله سبحانه وفُروضِه وأمره ونهيه" (١).
وهُمْ على مراتب في الورعِ والضبطِ والإتقانِ، وقد جعل الله سبحانه لكل شيء قدرًا. ومنهم أيضًا -وهم في هذه الطبقة أكثر من التي قبلها- منْ ألْصق نفْسهُ بهم، ودلّسها بينهم، مِمّنْ ليس مِنْ أهْلِ الصِّدقِ والأمانةِ، ومنْ قد ظهر للنُّقّادِ العلماءِ بالرجالِ منهم الكذبُ، فبيّنُوا أمْرهُم.
هكذا حمل المتأخُر عن المتقدمِ، واللاحقُ عن السابقِ، وتناقلتِ الرواةُ الأخبار والسُّنن، وزادتِ الوسائطُ المُبلِّغةُ لدين الله عز وجل، وسُمِّيتْ هذه الوسائطُ بـ: "الإسناد".
ولما كان الله سبحانه قد ارْتضى أن يكون "النّقْلُ" هو السبيل إلى تعرُّفِ هذه الأُمّةِ على دِينه وشرْعِه، وقد ضمن الله لنا حِفْظ الدِّين، فقد دلّ ذلك أن السبيل إلى هذا التعرف -ألا وهو النقل الذي تقوم به الحُجّةُ- محفوظٌ أيضًا.
فكيف إذا حفِظ الله سبحانه هذا "النّقْل"؟
والجواب: أن الله تعالى كما اخْتار لصُحْبِة نبِيِّهِ أعلامًا أكْفاء، إئتمنهم على تبليغ دينه، فقدِ اخْتار أيضًا رِجالًا صنعهُم على عيْنِهِ، وخصّهُمْ بهذه الفضِيلة، ورزقهُم
(١) مقتبس من "مقدمة الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (ص ٨ - ١٠) بتصرف.