للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ويقول أبو زرعة مثل ما قلت؟

قلتُ: نعم.

قال: هذا عجبٌ. فأخذ، فكتب في كاغدٍ ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رجع إليّ، وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث.

فما قلتُ إنه باطلٌ، قال أبو زرعة: هو كذبٌ. قلتُ: الكذبُ والباطلُ واحدٌ. وما قلتُ إنه كذبٌ قال أبو زرعة: هو باطلٌ. وما قلتُ إنه منكر، قال: هو منكرٌ، كما قلتُ. وما قلتُ إنه صحاحٌ، قال أبو زرعة: هو صحاحٌ.

فقال: ما أعْجب هذا! تتفقانِ مِنْ غير مُواطأةٍ فيما بينكما؟ فقلتُ: فقد (١) ذلك أنا لم نُجازفْ، وإنما قُلْناهُ بعلمٍ ومعرفةٍ قد أُوتينا، والدليلُ على صحةِ ما نقولُه بأنّ دينارًا نبهرجًا (٢) يُحْملُ إلى الناقد (٣)، فيقول: هذا دينار نبهرج، ويقول لدينار: هو جيِّدٌ، فإن قيل له: مِنْ أيْن قلت أن هذا نبهرج؟ هل كنت حاضرًا حين بُهْرج هذا الدينار؟ قال: لا. فإن قيل له: فأخبرك الرجلُ الذي بهْرجهُ أني بهرجتُ هذا الدينار؟ قال: لا، قيل: فمِنْ أيْن قلت إن هذا نبهرج؟ قال: علمًا رزقتُ.

وكذلك نحنُ، رُزِقْنا عِلْما لا يتهيّأُ لنا أن نُخْبِرك كيْف علِمْنا بأن هذا الحديث كذبٌ، وهذا حديثٌ منكرٌ إلا بما نعْرِفُهُ". اهـ. قلت: معْنى كلامِ أبي حاتم رحمه الله تعالى أنه قد صارتْ لهُ ولأبي زرعة وغيرهما من النُّقادِ -وهم قليلٌ كما سيأتي- "ملكةٌ" قويةٌ و"سجِيّةٌ" و"غرِيزةٌ"، يكشفون بها زيف الزائفِ، ووهم الواهِم وغيْر ذلك.


(١) هكذا في "تقدمة الجرح والتعديل" (ص ٣٥٠)، والظاهر أن هنا سقطًا، لعله: "عَرَّفَكَ" أو نحو ذلك.
(٢) يعني: مُزَيَّفًا.
(٣) يعني به: الصيرفي الذي يُمَيِّزُ بين الجّيِّد والرَّدِيء من الدنانير والدراهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>