ومنها: تطرق أهل البدع، والمذاهب الفكرية المخالفة للمذهب الحق: مذهب أهل السُنة والجماعة، وهو مذهب أهل الحديث من المتقدمين كثير من المتأخرين.
فهؤلاء نحو الطائفة السابقة في تعاملهم مع السُنة وأهلها، لكنَّ هؤلاء لا يأْلُون في حديثيِّ سُنِّيٍّ إلا ولا ذِمَّةً، يَسْعَون بكل ما أُوتوا من أساليب الحِيل والتلبيس والتغرير إلى محاولة الإطاحة بكل مَنْ يرفعُ لواءَ السُّنة ويدافع عنها وعن أهلها، لا سيما من يكشف زيغَهم ومكائدَهم.
ولا يدري هؤلاء المساكين أن الله تعالى هو ناصرُ السُّنَّةِ وأهلِها، وقامعُ البدعة وأذيالها، على مَرِّ الأيام وتتابع الزمان، وأن هذه السهام الطائشة التي يوجهونها بين الفَيْنَةِ والأخرى لأحد معالم السُّنة ورموز أهلها، إنما ترتد في نحورهم:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}.
ولعل سائلًا يسأل عن سِرِّ اشتغال هذه الطوائف بعلم الحديث، وتصنيفهم فيه، ومزاحمتهم لأهله.
فأقول: احتاج هؤلاء إلى تدعيم آرائهم ومذاهبهم، فرأوا أن كثيرًا من المسائل التي تُبْنَى عليها تلك الآراء، إنما ترجع أصولُها إلى أخبار وآثار، فاحتاجوا إلى تثبيتها وتصحيحها بأيِّ سبيلٍ كان، وكذا الأخبار والآثار التي يَحتج بها المخالف لهم، احتاجوا إلى دَفْعِها وتَوهِينها مَهْمَا كان.
لكنهم رَأَوْا أن التَثْبِيتَ والدَّفْعَ إذا كان بالصَّدْر وبلا حجةٍ: كان أَدَلَّ على الجهل والعصبية، فلم يُقبل منهم، ورُموا بالعجز مع ذلك، فرأوا أنه لا بد لهم من أن يُعْرَفُوا بالمشاركة في علوم الحديث، حتَّى يَسُوغَ لهم الكلامُ فيه كما يشتهون.
ولأنهم لا يرون في كلام أهل النقد حُجَّةً ولا مَقنعًا؛ لمخالفة أكثرة لأهوائهم، عمدوا إلى قواعد هذا الفنّ ومصطلحاته، فحاولوا تمييعَ كثيرٍ منها؛ لتناسب آراءهم،