ومنها: هجومُ غير أهل الاختصاص على التصنيف في علوم هذا الفن، يُعلم ذلك بالنظر في قائمة مَنْ صنفوا فيه، فأكثرهم ممن جُلُّ اشتغالهم بالفقه، والأصول، والكلام، لذا تجد هذه الصِّبْغة غالبةً في تناول المسائل والمباحث هناك.
وصار منهجُ المحدثين يُحكَى على أنه مجرد رأي في مقابل مناهج غيرهم من الأصوليين والفقهاء، بل وُيرد قولُ المحدثين -وهم أهل الشأن والاختصاص- بقول غيرهم، أو يُشَوَّشُ عليه.
وهذا ظُلمٌ بَيِّنٌ، وهَضْمٌ لِحَقِّ مَنْ أعلى الله شأنَهم، وأوجب على الناس اتباعهم، ولي في ذلك رسالة؛ أجمع فيها تلك المسائل والقضايا التي أشغب فيها الأصوليون والفقهاء وغيرهم على أهل الحديث، ونازلوهم فيها؛ تنقيةً لهذا العلم من مُداخلة غير أهله فيه، وإعادةً للأمور إلى نصابها، يَسَّرَ الله إتمامها.
ومنها: الاسترواح إلى مذاهب أهل التساهل الذين دَأَبُوا على الميل إلما ترك الاحتياط والاعتماد على حسن الظن في باب الرواة والحكم على الأخبار، وهو خلاف ما قرَّره أئمة هذا الشأن.
ومنها: تطرق الكثير من التجويزات العقلية والاحتمالات المجرَّدة في ردِّ تحقيقات النقاد وتعليلاتهم.
ومنها: تطرق أهل التعصب المذهبي، الذين تدفعهم محاولةُ تقوية ما يَستدل به مذهبُهم من الأحاديث، أو توهينُ ما سوى ذلك: إلى مخالفاتٍ واضحةٍ في تحريف القواعد، ولَيِّ أعناق الأصول، وادعاءِ تقريراتٍ وتحريراتٍ يُصَنِّفون فيها من أَجل هذا المقصد، يتناولون ذلك من قريب ومن بعيد، تصريحًا تارة وتلميحًا أخرى، كاسِينَ ذلك كلَّهُ ثوبَ الكلام في "مصطلح الحديث" مع النقولات المحتملة التي يوجهونها حسبما يتفق مع آرائهم الفقهية أو الحديثية.