تُؤخذُ قواعدُ هذا الفن وأصولُه من مجموع كلامهم وتصرفاتهم في الأحوال المختلفة، مع فهم ما أجملوه في مواضع في ضوء ما بيَّنُوه في أخرى.
وإذا كان حفظُ السُّنة من حفظِ الكتاب، فكذلك حفظُ ما تُحفظ به السُّنة، فلِلْوسائل أحكامُ المقاصد، لذا فقد حفظ الله تعالى أصولَ هذا العلم؛ لأنه لا يمكن حفظُ السُّنة إلا به، فيه يتميز صحيحُ السُّنة من ضعيفها، ولو لم يُحفظ هذا العلمُ، لما أمكن التوصل إلى معرفة ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما لم يصحّ، ولا يمكن حينئذٍ أن يُقال: إن السُّنة قد حُفظت.
وقد أجرى الله تعالى على أَلْسِنة وبأقلام أئمةِ هذا الشأن من أنواع العلوم، والمسائل، والمباحث، والقضايا المتعلقة بأحوال الراوي والمروي: ما كَفَى الله به مؤنة هذا الفنِّ مَنْ بعدهم، وجعله مَقنعًا لكل مُنصف يريد الحقَّ، ويَعرفه لأهله، فلكل عِلْمٍ "أهلُ ذكرٍ" يُرجع إليهم فيه، فَهُمُ المعيار الذي يُقاس عليه، فلا يُلتفت إلى مَنْ خالفهم.
لكن مع مرور الزمان، وتقادُم العهد، وتتابُع عوامل التغيير: التاريخي، والفقهي، والفكري، والعقائدي، بل والسياسي: وقع انحرافٌ عَمَّا أسَّسَهُ الأوائل من قواعدِ هذا الفن وأصولِه.
وتزداد زاويةُ هذا الانحراف كلما استحكمتْ أمورٌ:
منها: البُعدُ عما خَلَّفَهُ المتقدمون من كتب أحوال الرواة، والتواريخ، والعلل، والسؤالات، ونحو ذلك مما سَطَّرُوا فيه النَّهْجَ السديد الذي يتضح منه اتفاقهم على أصوله العامة وقواعده الأساسية.