هذا شأن القرآن، فأما السنة فمخالِفةٌ لذلك في أمور:
الأول: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُعْنَ بكتابتها، بل اكتفى بحفظهم في صدورهم وتبليغهم منها، أي بنحو الطريق الأولى في القرآن.
الثاني: أنها كانت منتشرة، لا يمكن جمعها كلها بيقين.
الثالث: أنه لم يتفق لها في عهد الصحابة ما اتفق للقرآن؛ إذ استحر القتل بحفاظه من الصحابة قبل أن يتلقاه التابعون، فإن الصحابة كانوا كثيرا، ولم يتفق أن استحر القتل بحفاظ السنة منهم قبل تلقي التابعين.
الرابع: أنهم كانوا إذا هَمُّوا بجمعها رأوا أنه لن يكون كما قال عمر في جمع القرآن: "هو والله خير" أي خيرٌ محضٌ لا يترتب عليه محذور. كانوا يرون أنه يصعب جمعها كلها، وإذا جمعوا ما أمكنهم خشوا أن يكون ذلك سببًا لرد من بعدهم ما فاتهم منها.
وقد مَرَّ (ص ٢٤) عن أبي بكر في سبب تحريقه ما كان جمعه منها: "أو يكون قد بقي حديث لم أجده فيقال: لو كان قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما خفي على أبي بكر".
وخشوا أيضًا من جمعها في الكتب قبل استحكام أمر القرآن أن يُقبل الناسُ على تلك الكتب ويدعوا القرآن لما مَرَّ (ص ٢٥) عن عمر و (ص ٢٧) عن أبي موسى، فلذلك رأوا أن يكتف وابن شرها بطريق الرواية، ويَكِلُوها إلى حفظ الله تعالى الذي يؤمنون به. اهـ.
وأجاب المعلمي: عن شبهات المستشرقين ومن نحا نحوهم في التشكيك في السنة جملة بسبب وقوع "الوضع" في الحديث، فقال (ص ٨٩):
"هو واقع في الجملة، ولكن المستشرقين والمنحرفين عن السنة يُطوِّلُون في هذا ويُهوِّلُون ويهملون ما يقابله، ومثلهم مثل من يحاول منع الناس من طلب الحقيقي الخالص من الأقوات والسمن والعسل والعقاقير والحرير والصوف والذهب والفضة