للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث؛ لعناية أهلها بالرواية، ولرحلة الناس إليها لذلك، وكان عبد الله تارة بمصر، وتارة بالشام، وتارة بالطائف، مع أنه كان يكثر من الأخبار عما وجده من كتبٍ قديمةٍ باليرموك، وكان الناس لذلك كأنهم قليلو الرغبة في السماع منه، ولذلك كان معاوية وابنه قد نهياه عن التحديث.

فهذه الأحاديث وغيرها مما يأتي إن لم تدل على صحة قول البخاري وغيره: إن حديث أبي سعيد غير صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنَّها تقضي بتأويله، وقد ذكر في "فتح الباري" أوجها للجمع، والأقرب ما يأتي:

قد ثبت في حديث زيد بن ثابت في جمعه القرآن: "فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف"، وفي بعض رواياته ذكر القصب وقطع الأديم. وقد مَرَّ قريبًا (ص ٢٠)، وهذه كلها قطع صغيرة، وقد كانت تنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- الآية والآيتان فكان بعض الصحابة يكتبون في تلك القطع فتتجمع عند الواحد منهم عدة قطع في كل منها آية أو آيتان أو نحوها، وكان هذا هو المتيسر لهم، فالغالب أنه لو كتب أحدهم حديثًا لكتبه في قطعة من تلك القطع، فعسى أن يختلط عند بعضهم القطع المكتوب فيها الأحاديث بالقطع المكتوب فيها الآيات، فنهوا عن كتابة الحديث سدًّا للذريعة.

أما قول أبي رية (ص ٢٧): "هذا سبب لا يقتنع به عاقل عالم ... اللهم [إلا] إذا جعلنا الأحاديث من جنس القرآن في البلاغة وأن أسلوبها في الإعجاز من أسلوبه".

فجوابه: أن القرآن إنما تحدَّى أن يُؤتَى بسورة من مثله، والآية والآيتان دون ذلك. ولا يشكل على هذا الوجه صحيفةُ علي؛ لأنه جمع فيها عدة أحكام، وكان علي لا يُخشى عليه الالتباس.

ولا قصة أبي شاه؛ لأن أبا شاه لم يكن ممن يكتب القرآن، وإنما سأل أن تكتب له تلك الخطبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>