ولا قوله -صلى الله عليه وسلم- في مرض موته:"ائتوني بكتاب" الخ؛ لأنه لو كتب لكان معروفًا عند الحاضرين وهم جمع كثير.
ولا قضية عبد الله بن عمرو، فإنه فيما يظهر حصل على صحيفة فيها عدة أوراق، فاستأذن أن يكتب فيها الأحاديث فقط.
وكذلك الكتب التي كتبها النبي -صلى الله عليه وسلم- لعماله وفيها أحكام الصدقات وغيرها، وكان كلها أو أكثرها مُصدرًا بقوله:"من محمد رسول الله" الخ، هذا كله على فرض صحة حديث أبي سعيد.
أما على ما قاله البخاري وغيره من عدم صحته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فالأمر أوضح، وسيأتي ما يشهد لذلك.
قال أبو رية (ص ٢٣): وروى الحاكم بسنده عن عائشة قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكانت خمسمائة حديث، فبات يتقلب ... فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها فأحرقها، وقال: خشيت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد تقلدت ذلك، زاد الأحوص بن المفضل في روايته: أو يكون قد بقي حديث لم أجده فيقال: لو كان قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما خفي على أبي بكر.
أقول: لو صح هذا لكان حجة على ما قلناه، فلو كان النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن كتابة الأحاديث مطلقًا لما كتب أبو بكر، فأما الإحراق فلسبب أو سببين آخرين كما رأيت، لكن الخبر ليس بصحيح، أحال به أبو رية على "تذكرة الحفاظ" للذهبي، و"جمع الجوامع" للسيوطي ولم يذكر طعنهما فيه، ففي التذكرة عقبة:"فهذا لا يصح"(١).