وترى في رسالة الشافعي عدة قضايا لعمر من هذا القبيل.
وإذ كان الواجب على الأمة أن يكون فيها علماء، كل منهم عارف بالقرآن، عارف بجملة حسنة من السنة؛ ليعمل ويفتي ويقفيى بما علم، ويسأل من تيسر له من العلماء عما لم يعلم، فإن لم يجد اجتهد: فقد كان الصحابة يعلمون أن منهم عددًا كثيرًا هكذا، وأن من تابعيهم عددًا كثيرًا كذلك لا يزالون في ازدياد، وأن حال من بعدهم سيكون كذلك، وأن القرآن والسنة موجودان بتمامهما عند أولئك العلماء، ما فات أحدهم منهما فموجود عند غيره، رأوا أن هذا كافٍ في أداء الواجب عليهم مع الإيمان التام بأن الله تعالى حافظ لشريعته.
نعم، فكَّروا في الاحتياط لجمع السنة فعرض لهم خشية أن يؤدي ذلك إلى محذور كما مَرَّ فكفّوا عنه؛ مكتفين بما ظهر لهم من حرص المسلمين وما آمنوا به من حفظ رب العالمين.
وغاية ما يُخشى بعد هذا أن يجهل العالم شيئًا من السنة ولا يتيسر له من يخبره بها فيجتهد فيخطىء، وهذا في نظر الشرع ليس بمحذور كما علم مما مَرَّ في حال من كان من المسلمين بعيدًا عن المدينة؛ إذ بقوا مدة يصلون الرباعية ركعتين، ويتكلمون في الصلاة، ويصلون إلى بيت المقدس، ويستحلون الخمر بعد نزول الأحكام المخالفة لذلك حتى بلغتهم.
وكما أذن الله تعالى أن يبني المسلم على ظنه وإن اتفق له أن ينكح أخته وهو لا يدري، وأن يقتل مسلمًا يحسبه كافرًا، وأن يأكل لحمًا يظنه حلالًا فبان لحم خنزير أو ميتة وغير ذلك، إنما المحذور أن تدع الدليل الشرعي عمدًا اتباعًا منك لقول عالم قد يجهل ويذهل ويغفل ويغلط ويزل.
وأشد من ذلك وأضر وأدهى وأمَرّ ما يقول صاحب تلك النظرية: إن الدليل الشرعي إذا وُجد قولٌ لعالمٍ يخالفه ينزل بذلك عن الدين العام اللازم إلى الدين الخاص