للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاختياري، من شاء أخذ ومن شاء ترك، ومن خالف كل دليل من هذا القبيل مع علمه بها وعقله لها واقتصر على ما لم يخالفه أحد "كان مسلمًا ناجيًا في الآخرة مقربًا عند الله تعالى" كما تقدم عنه (ص ١٦)، فهذا هو المحذور عند من يعقل.

قال: "وبهذا يسقط قول من قال: إن الصحابة كانوا يكتفون في نشر الحديث بالرواية".

أقول: قد عرفت الحقيقة ولله الحمد، وعرفت ما هو الساقط.

قال: "وإذا أضفت إلى ذلك حكم عمر بن الخطاب على أعين الصحابة بما يخالف بعض تلك الأحاديث".

أقول: كان عليه أن يبينها، فإن كان يريد مطاعن الرافضة في أمير المؤمنين عمر فجوابها في "منهاج السنة" وغيره، ويكفينا هنا أن نسأله: هل علمت عمر ثبت عنده حديث فتركه لغير حجة قائلًا: لا يلزمنا الأخذ بالأحاديث؟

قال: "ثم ما جرى عليه علماء الأمصار في القرن الأول والثاني من اكتفاء الواحد منهم كأبي حنيفة بما بلغه ووثق به من الحديث وإن قَلَّ، وعدم تعنيه في جمع غيره إليه ليفهم دينه ويبين أحكامه".

أقول: لزم أبو حنيفة حماد بن أبي سليمان يأخذ عنه مُدَّة، وكان حماد كثير الحديث، ثم أخذ عن عدد كثير غيره كما تراه في مناقبه، وقلة الأحاديث المروية عنه لا تدل على قلة ما عنده؛ ذلك أنه لم يتصد للرواية، وقد قدمنا أن العالم لا يُكلَّف جمع السنة كلها، بل إذا كان عارفًا بالقرآن وعنده طائفة صالحة من السنة بحيث يغلب على اجتهاده الصواب كان له أن يفتي، وإذا عرضت قضية لم يجدها في الكتاب والسنة سأل من عنده علم بالسنة، فإن لم يجد اجتهد رأيه.

وكذلك كان أبو حنيفة يفعل، وكان عنده في حلقته جماعة من المكثرين في الحديث كمسعر وحبان ومندل، والأحاديث التي ذكروا أنه خالفها قليلة بالنسبة إلى ما وافقه، وما

<<  <  ج: ص:  >  >>