يعلم أولًا: أن النسبة إلى أبي حنيفة لا يكفي في إثباتها قولُ رجلٍ حنبلي بينه وبين أبي حنيفة عدة قرون!
ويعلم ثانيًا: ما في كتب مذهبه مما يخالف هذا.
ويعلم ثالثًا: أن قول الراوي: "قتادة عن أنس" وقوله مرة أخرى أو قول غيره: "قتادة أن أنسًا أخبره" ليس من باب النقص والزيادة، وإنما هو من باب المحتمل والمعين أو المجمل والمبين.
ويعلم رابعًا: أن من أصل الحنفية الاحتجاج بالمنقطع، فما لم يتبين انقطاعه بل هو متردد بين الاتصال والانقطاع أَوْلَى، فإذا ثبت مع ذلك اتصاله من وجه آخر فآكَدُ.
ويعلم خامسًا: أنه لا ينبغي له أن يدفع عن نفسه بإلقاء التهم على إمامه.
فأما الاحتياط البالغ في دين الله الذي يُمَوِّهُ به الأستاذ فالتحري البالغ الذي سبق ما فيه في الفصل الثالث فلا نعيده ...
والمقصود هنا أن أصحاب الرأي لهم عادة ودُربة في دفع الروايات الصحيحة، ومحاولة القدح في بعض الرواة حتى لم يسلم منهم الصحابة -رضي الله عنهم-، على أن الأستاذ لم يقتصر على كلام أسلافه وما يقرب منه بل أرْبَى عليهم جميعًا كما تراه في "الطليعة" ويأتي بقيته في التراجم إن شاء الله تعالى.
وأما غُلاة المقلدين فأَمْرُهم ظاهر؛ وذلك أن المتبوع قد لا تبلغه السنة، وقد يغفل عن الدليل أو الدلالة، وقد يسهو أو يخطىء أو يزِلَّ، فيقع في قولٍ تجيء الأحاديث بخلافه، فيحتاج مقلدوه إلى دفعها والتمحل في ردها، ولو اقتصر الأستاذ على نحو ما عرف عنهم لهان الخطْب، ولكنه يَعُدُّ غلوهم تقصيرًا!.