وأما المتكلمون فأوَّلُ مَنْ بلَغَنا أنه خاض في ذلك: عمرو بن عبيد، ذُكر له حديثٌ يخالف هواه، رواه الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال عمرو:"لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذَّبْتُه، ولو سمعته من زيد بن وهب لما صدقته، ولو سمعت ابن مسعود يقوله لما قبلته، ولو سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله عز وجل يقول هذا لقلت: ليس على هذا أخذت ميثاقنا" وتعدَّى إلى القرآن فقال في: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} وقوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}: "لم يكونا في اللوح المحفوظ" كأنه يريد أن الله تبارك وتعالى لم يكن يعلم بما سيكون من أبي لهب ومن الوحيد.
ثم كان في القرن الثاني جماعةٌ ممن عُرف بسوء السيرة والجهل بالسنة ورِقَّةِ الدين كثمامة بن أشرس والنظام والجاحظ، خاضوا في ذلك، كما أشار إليه ابن قتيبة وغيره، وجماعة آخرون كانوا يتعاطون الرأي والكلام يردُّون الأخبار كلها، وآخرون يردُّون أخبار الآحاد أي ما دون المتواتر، كسر الله تعالى شوكتهم بالشافعي، حتى إن شيوخه ومن في طبقتهم من الأكابر كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي انتفعوا بكتبه.
قال الشافعي في "الأم"(ج ٧ ص ٢٥٠): "باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها" ثم ذكر مناظرته لهم. ثم قال بعدُ:"باب حكاية قول من رد خبر الخاصة" فذكر كلامه معهم، وبسط الكلام في ذلك في "الرسالة"، وفي كتاب "اختلاف الحديث".
ثم كانت المحنة وويلاتها، وكان دعاتُها لا يجرءون على ردِّ الحديث، وسيأتي في ترجمة: علي بن عبد الله بن المديني بعض ما يتعلق بذلك، ثم جاء محمد بن شجاع بن الثلجي فلم يجرؤ على الرد، إنما لَفَّقَ ما حاول به إسقاط حماد بن سلمة، كما يأتي في