ولا شَكَّ أن تلك الأَوَّليَّة مِن بديهياتها أن يكون كلامُ السابقين: منتشرًا في ثنايا الكتب؛ ليس مجموعًا في مكانٍ واحدٍ، قليلًا بحسب ما اقتضاه السؤال والمقام، ليس كثيرًا مُتكلفًا، موجزًا مجملًا في غالب الأحيان، لا مُسهبًا مطولًا مشروحًا، معتمدًا أكثره على إشارات وإيماءات يفهمها أهل الفن في حينها، وهي كاللغة؛ فلا يحتاج الطلبة إلى تفسيرها وشرح المقصود منها.
ثم تتابع المعتنون بهذا العلم في تَأمُّل ما ورثوه عن الأوائل، محاولين جمع ما تشتت منه، وتصنيفه وتبويبه، وذكر أنواعه، وشرح ما غمض منه، فكانت الكتب المصنفة في "مصطلح الحديث" على مَرِّ العصور.
وأَلْفِتُ النظر هنا إلى أوائل ما كُتب في هذا الشأن كتابةً خاصَّةً؛ إرشادا للطالب إلى مطالعة تلك المصنفات، فهي أصل هذا العلم، وعليها المعوَّل، بالإضافة إلى تصرفات النقاد العملية في ذلك، فأقول وبالله التوفيق:
(١)
ضَمَّنَ الشافعي رحمه الله تعالى (المتوفَّى سنة ٢٤٠ هـ) كتابه "الرسالة" بعض الأبحاث المتعلقة بعلم المصطلح، منها:
الصفات اللازم توفرها في خبر الخاصة كي يكون حجة، فقال:
١ - أن يكون من حدَّث به ثقةً في دينه.
٢ - معروفًا بالصدق في حديثه.
٣ - عاقلًا لما يحدث به.
٤ - عالمًا بما يُحيلُ معاني الحديث من اللفظ.
٥ - أن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمعه، لا يحدث به على المعنى ...