ثم جاء الخطيب البغدادي (المتوفى سنة ٤٦٣ هـ) فوضع كتبًا شتى في مجالات علوم الحديث، أهمها "الكفاية في علم الرواية" وهو من أجمع ما كُتب في هذا الشأن، وقد اعتمد كل من أتى بعد الخطيب على كتبه المتنوعة في فنون المصطلح.
وكتاب الخطيب:"الكفاية" من أنفع ما وضع في هذا الباب، إلا أن الخطيب قد خلَط أحيانًا أقوال أهل الاختصاص من أئمة النقد بكلام غيرهم من الأصوليين والمتكلمين.
مثال ذلك ما ذكره في مسألة "زيادة الثقة"(ص ٤٢٤)، حيث قال:
"باب القول في حُكم خبر العدل إذا انفرد برواية زيادةٍ فيه لم يروها غيره"، وكذلك ذكر ما اختلف فيه وصلًا وإرسالًا (ص ٤٠٩) ورفعًا ووقفًا (ص ٤١٧) وذكر مذاهب الناس في ذلك، واختار قبول زيادة الثقة مطلقًا في جميع الأحوال، وكذا تقديم الوصل والرفع على الإرسال والوقف.
وقد انتقده في صنيعه هذا ابنُ رجب في "شرح علل الترمذي"(ص ٤٢٨) عند الكلام على هذا النوع من الاختلاف، فقال:
"كلام أحمد وغيره من الحفاظ يدور على اعتبار قول الأوثق في ذلك والأحفظ ... وذكر الحاكم أن أئمة الحديث على أن القول قول الأكثرين الذين أرسلوا الحديث، وهذا يخالف تصرفه في "المستدرك"، وقد صنَّف في ذلك الحافظ أبو بكر الخطيب مصنفًا حسنًا سماه: "تمييز المزيد في متصل الأسانيد" وقسمه قسمين:
أحدهما: ما حَكم فيه بصحة ذكر الزيادة في الإسناد وتركها.