فلم يزالوا في انقراضٍ، ولم يزل في اندراسٍ، حتى آضت به الحال إلى أن صار أهلُه إنما هم شرذمة قليلة العَدد، ضعيفة العُدد، لا تُعنى على الأغلب في تحمله بأكثر من سماعه غُفْلا، ولا تتعنى في تقييده بأكثر من كتابته عُطْلا، مُطَّرحين علومه التي بها جَلَّ قدرُه، مباعدين معارفه التي بها فخم أمره.
فحين كاد الباحثُ عن مُشْكَلِه لا يُلفي بها عارفا، منَّ الله الكريم -تبارك وتعالى وله الحمد أجمع- بكتاب "معرفة أنواع علوم الحديث" هذا الذي أباح بأسراره الخفية، وكشف عن مشكلاته الأبية، وأحكم معاقده، وقعَّد قواعده، وأنار معالمه، وبيَّن أحكامه، وفصَّل أقسامه، وأوضح أصوله، وشرح فروعه وأصوله، وجمع شتات علومه وفوائده، وقنص شوارد نكته وفوائده".
فذكر من ذلك خمسة وستين نوعا من أنواع علوم الحديث.
وقد اعتنى بهذا الكتاب جماعة من أهل العلم -على اختلاف تخصصاتهم ومشاربهم- بَيْنَ ناظمٍ ومختصر وشارح له، ومن هؤلاء من تناول كثيرًا من قضاياه ومسائله بالتنكيت والتعقيب والاعتراض، وهذا شأن من يُنشىء فنًّا ويبتدؤه، فيأتي من بعده فيزيدُ المسائل تحريرًا وتقعيدًا، كلٌّ بحسب اجتهاده.
فألف النووي (٦٣١ - ٦٧٦) عليه كتابي "الإرشاد"، و"التقريب"، وابن جماعة (٦٣٩ - ٧٣٣) كتاب "المنهل الروي"، وابن دقيق العيد (٦٢٥ - ٧٠٢) كتاب "الاقتراح"، وابن كثير (٧٠١ - ٧٧٤) كتاب "اختصار علوم الحديث"، والزركشي (٧٤٥ - ٧٩٤) كتاب "النكت"، وابن الملقن (٧٢٣ - ٨٠٤) كتاب "المقنع"، والبلقيني (٧٢٤ - ٨٠٥) وكتاب "محاسن الاصطلاح"، وزين الدين العراقي (٧٢٥ - ٨٠٦) "الألفية وشرحها"، وكتاب "التقييد والإيضاح"، وابن حجر (٧٧٣ - ٨٥٢) كتاب "النكت"، و"نزهة النظر"، والسخاوي المتوفى (٩٠٢) كتاب "فتح المغيث"، والسيوطي المتوفى (٩١١) كتاب "تدريب الراوي" على "تقريب" النووي، والصنعاني المتوفى (١١٨٢) كتاب "توضيح الأفكار".