ثم قال: وحكى لي حال أن الأوزاعي سُئل عن الغلام يكتب الحديث قبل أن يبلغ الحدَّ الذي تجري عليه فيه الأحكام؟ فقال: إذا ضبط الإملاء جاز سماعه وإن كان دون العشر، واحتج بحديث سبرة بن معبد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر".
قال: وهذه حكاية عن الأوزاعي لا أعرف صحتها، إلا أنها صحيحة الاعتبار؛ لأنَّ الأمر بالصلاة والضرب عليها إنما هو على وجه الرياضة، لا على وجه الوجوب. وكذلك كَتْبُ الحديث، إنما هو لِلِّقاء وتحصيل السماع، وإذا كان هذا هكذا فليس المعتبر في كَتب الحديث البلوغ ولا غيره، بل يُعتبر فيه الحركة والنضاجة والتيقظ والضبط.
قال: وقد دَلَّ قولُ الزهري: ما رأيت طالبا للعلم أصغر من ابن عيينة، على أن طلاب الحديث عصر التابعين كانوا في حدود العشرين، وكذلك يُذكر عن أهل الكوفة ... وذكر أخبارا في ذلك.
ثم قال: ولو كان السماع لا يصح إلا بعد العشرين لسقطت رواية كثير من أهل العلم سوى من هو في عداد الصحابة ممن حفظ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو صغير، ثم ذكر من هؤلاء: الحسن بن علي، وعبد الله بن عباس، قال: وقال علي بن المديني: حفظ المسور بن مخرمة وهو ابن ثمان، وحفظ عمر بن أبي سلمة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن سبع سنين، وكذلك السائب بن يزيد، وكذلك سهل بن أبي حثمة وثابت بن الضحاك الأشهلي، هؤلاء أبناء ثمان سنين، فأما عبد الله بن حنظلة الراهب، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي وهو ابن سبع سنين، وله رواية.
قال: وقال أحمد بن حنبل: حدثني ثابت بن الوليد بن عبد الله بن جميع حدثني أبي قال: قال أبو الطفيل: أدركت ثماني سنين من حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وولدت عام أحد.
وإلى مسلمة بن مخلد قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وأنا ابن أربع سنين، ومات وأنا ابن أربع عشرة.