واستدل الخطيب على ذلك بحديث أبي الضحى عن علي (ولم يدركه) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق"(وفي الحديث خلاف كثير، وفي رفعه ووقفه وغير ذلك، راجع نصب الراية ٤/ ٢٠٩).
قال الخطيب: ولأن حال الراوي إذا كان طفلا أو مجنونا دون حال الفاسق من المسلمين، وذلك أن الفاسق يخاف ويرجو ويتجنب ذنوبا ويعتمد قربات، وكثير من الفساق يعتقدون أن الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتعمد له ذنب كبير وجرم غير مغفور، فإذا كان خبر الفاسق الذي هذه حاله غير مقبول، فخبر الطفل والمجنون أَوْلى بذلك، والأمة مجمعة على ما ذكرناه، لا نعرف بينها خلافا فيه.
هذا آخر ما أورده الخطيب حيال هذه القضية.
ولخص أبو عمرو بن الصلاح ذلك، وجمع شتاته في النوع الرابع والعشرين من كتابه "معرفة علوم الحديث"(ص ٢٤١) فقال:
"يصح التحمل قبل وجود الأهلية، فتقبل رواية من تحمل قبل الإسلام وروى بعده، وكذلك رواية من سمع قبل البلوغ وروى بعده، ومنع من ذلك قوم فأخطئوا؛ لأن الناس قبلوا رواية أحداث الصحابة كـ: الحسن بن علي، وابن عباس، وابن الزبير، والنعمان بن بشير، وأشباههم من غير فرق بين ما تحملوا قبل البلوغ وما بعده، ولم يزالوا قديما وحديثا يحضرون الصبيان مجالس التحديث والسماع، ويعتدون بروايتهم لذلك، والله أعلم".
ثم قال بعد قليل:
"أما الاشتعال بكتبة الحديث وتحصيله وضبطه وتقييده، فمن حين يتأهل لذلك ويستعد له، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، وليس ينحصر في سن مخصوص".