للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكره الحافظ في "الفتح"، وإيضاحه أن في الصحيحين أيضًا عنه -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين"، وعقبه البخاري بحديث ابن عمر مرفوعًا: "يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه، ثم يقول: عملت كذا وكذا فيقول: نعم، ويقول: عملت كذا وكذا، فيقول: نعم، فيقرره، ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك اليوم".

وفي معنى هذا أحاديث أخرى في أن من ستره الله عز وجل من المؤمنين في الدنيا لم يفضحه في الآخرة.

ومن السر في ذلك والله أعلم؛ أن الإنسان إذا أظهر المعصية كان ذلك مما يجرىء الناس عليها:

أولًا: لأنه يكثر تحديثهم بها فتنتبه الدواعي إلى مُتعها، وقد قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: ١٩].

ثانيًا: لأنه إذا لم يعاجَل بالعقوبة هانت على الناس.

ثالثًا: لأن العاصي يتجرأ على المعاصي بعد ذلك؛ لأنه كان يخاف أولًا على شرفه وسمعته، وبعد الفضيحة لم يبق ما يخاف عليه، بل يقول كما تقول العامة: "يا آكل الثوم كُل وأكثر".

رابعًا: أنه يحرص على أن يدعو الناس إلى مثل فعله؛ ليشاركوه في سوء السمعة، فتخف الملامة عنه.

خامسًا: يخرج بذلك عن قول الله عز وجل {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١١٠] لأنه إن أمر بمعروف أو نهى عن المنكر قيل له: ابدأ بنفسك ألم تفعل كذا وكذا؟!.

سادسًا: يكون سببًا لعدم إفادة أمر غيره بالمعروف ونهيه عن المنكر؛ لأن من يؤمر أو يُنهى يقول: لست وحيدا في هذا، قد فعل فلان كذا وفلان كذا، وأنا واحد من جملة الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>