سابعًا: أن ذلك يقلل خوف الناس من الله عز وجل، يقول أحدهم: أنا من جملة عباد الله العاصين، هذا فلان وهذا فلان وذاك فلان، وقد تقدم في فصل (٥) حديث: " ... ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده".
وفي "الصحيحين"(١): "لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها؛ لأنه أول من سن القتل".
وقد قال الله عز وجل:{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}[النحل: ٢٥].
وقوله:"بغير علم" يصح أن يكون حالًا من الفاعل والمفعول معا فيدخل فيه أن المتبوع يحمل من أوزار من تبعه وإن لم يعلم بأنهم يتبعونه، كما أن ابن آدم الأول لم يكن يعلم بمن سيستن به في القتل، وليس ما تقدم بمخالف لقول الله عز وجل:{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[النجم: ٣٨]. وما في معناها؛ لأن التحقيق أن المتبوع إنما عُذب بوزره. وبيان ذلك أن أصل الإثم في المعصية منوط بتعمدها، وأما زيادة قدره فمنوط بما ينشأ عنها من المفاسد.
ألا ترى لو أن ثلاثة صوبوا بنادقهم إلى ثلاثة قاصدين رميهم، ثم أطلقوا بنادقهم: أن أصل الإجرام قد وقع من كل منهم، وأما زيادة مقداره فموقوف على ما ترتب على ذاك الفعل، فلو أخطأ أحدُهم وأصاب آخرُ فجَرَحَ وأصاب الثالثُ فقَتَل، لكان جُرْمُ الثالث أغلظَ من جُرم الثاني، وجُرمُ الثاني أغلظَ من جُرم الأول.
وقد حرَّم الله عز وجل ما حرَّم ولم يُفَصِّلْ ما يترتب على المحرمات من المفاسد، فمن علم بالتحريم، ثم أقدم على الفعل، فقد التزم ما يترتب عليه من المفاسد، فدخلت كلها في وزره، وإن لم يعلم بتفصيلها، فتدبر.