ثم إن قول الشيخ: إن في رواة الصحيح عددًا كثيرًا إلى آخره مما يُنازَعُ فيه، بل ليس كذلك، بل هذا شيء نادر؛ لأن غالبهم معروفون بالثقة إلا من خرجا له في الاستشهاد". اهـ.
تحقيق العلَّامة المعلمي لهذا المبحث:
قال في "الاستبصار" (ص ٥٤).
"تقدم أن من شرط المعدِّل أن يكون ذا خبرة بمن يعدِّلُه، وذكروا أن الخبرة تحصل بالجِوار أو الصحبة أو المعاملة، ولا شك أنه يكفي جوارُ يوم أو يومين، وكذلك الصحبة، وكذا المعاملة لا يكفي فيها أن يكون قد اشترى منه سلعة أو سلعتين، بل لا بد من طول الجوار أو الصحبة أو المعاملة مدّة يغلب على الظن حصول الخبرة فيها، والمَدَارُ في ذلك على غلبة ظن المُزكِّي الفطن العارف بطباع الناس وأغراضهم.
واشتراط الخبرة بهذا التفصيل في مُزكِّي الشاهد لا إشكال فيه، وإنما الإشكال في تزكية الرواة؛ فإن ما في كتب الجرح والتعديل من الكلام في الرواة المتقدمين غالبًا من كلام من لم يدركهم، بل ربما كان بينه وبينهم نحو ثلاثمائة سنة، هذا الدارقطني المولود سنة ٣٠٦ يتكلم في التابعين، فيوثق ويضعف.
قد يتوهم من لا خبرة له أن كلام المحدث فيمن لم يدركه، إنما يعتمد النقل عمن أدركه، فالمتأخر ناقلٌ فقط أو حاكمٌ بما ثبت عنده بالنقل، وهذا الحصر باطل، بل إذا كان هناك نقل فإن المتأخر يذكره، فإن لم يذكره مرة ذكره أخرى أو ذكره غيره، والغالب فيما يقتصرون فيه على الحكم بقولهم "ثقة" أو"ضعيف" أو غير ذلك إنما هو اجتهاد منهم، سواء أكان هناك نقل يوافق ذاك الحكم أم لا، وكثيرًا ما يكون هناك نقل يخالف ذاك الحكم.