لكن قضيته ما نُقل عن الشافعي وغيره -من أن الردة تحبط العمل الصالح قبلها ولو عقبتها توبة- أن هؤلاء لا حَظَّ لهم في فضل الصحبة.
وذهب الجمهور إلى أن الصحابة كلهم عدول، قال ابن الأنباري:
"وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية منهم، وإنما المراد قبول رواياتهم من غير تكلف للبحث عن أسباب العدالة والتزكية، إلا إن ثبت ارتكاب قادح، ولم يثبت ذلك ولله الحمد، فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يثبت خلافه، ولا التفات إلى ما يذكره أصحاب السير فإنه لا يصح، وما صح فله تأويل صحيح""فتح المغيث"(ص ٣٧٨).
وقال الخطيب في "الكفاية"(ص ٤٦): "باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة، وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم، وإنما يجب فيمن دونهم ... " فذكر عدة آيات وأحاديث في الثناء عليهم، إلى أن قال:"فهم على هذه الصفة، إلا أن يثبت على أحد ارتكاب ما لا يحتمل إلا قصد المعصية، والخروج من باب التأويل، فيحكم بسقوط العدالة، وقد برَّأهم الله من ذلك، ورفع أقدارهم، على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها -من: الهجرة، والجهاد، والنصرة، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين- القطعَ على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين".