للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جزءًا، وائتني بالجزء السابع عشر، فذهب فجاء بالدفتر فدفعه إليه، فأخذ أبو زرعة فتصفح الأوراق وأخرج الحديث، ودفعه إلى محمد بن مسلم، فقرأه محمد بن مسلم، فقال: نعم غلطنا فكان ماذا؟ ". اهـ.

واستقصاءُ هذا وشرحُ عجائبه يطول جدًّا، وإنما هذا غيضٌ مِنْ فيضٍ.

ولم يقف الأمر عند مجرد "الإحصاء" و"الحفظ للأحاديث"، بل كانوا يُحصُون على الرواة -لا سيما المدلسين- صِيغ الأداءِ في الرواية.

قال شعبة (١): "نصصْتُ على قتادة سبعين حديثًا كلها يقول: سمعت من أنس، إلا أربعة". اهـ.

بل كانوا يُحْصُون ما أخذه الراوي عن شيخه سماعًا، وما أخذه عنه من كتاب بغير سماع.

قال ابن المديني (٢): سمعت يحيى بن سعيد قال: كان شعبة يقول: أحاديثُ الحكم عن مقْسم كتابٌ إلا خمسة أحاديث. قلت ليحيى: عدّها شعبةُ؟ قال: نعم: حديث الوتر، وحديث القنوت، وحديث عزمة الطلاق، وحديث جزاء مثل ما قتل ما النعم، والرجل يأتي امرأته وهى حائض". اهـ.

ولذا فلا تعجبْ إذا حكم الأئمةُ الجهابذةُ على روايةٍ فيها تصريحٌ بالسماع أو ما يدل عليه بالخطأ والوهم، ولو كان الإسناد ظاهره الصحة، لأن الأئمة ليسوا كما يظن البعض "حملة أسفار" بل هم "نقدة أخبار".

والناقد يضبطُ حال السماع والكتابة صيغ الأداء، بل ويوقف عليها الشيوخ، فيكشف بعد ذلك عن أوهامِ الرواة وأخطائهم.


(١) "التقدمة" (ص ١٧٠).
(٢) نفسه (ص ١٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>