للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الأنصار فحالهم قريب من حال المهاجرين، إلا أنه لم يعم الإيمان جميع الأوس والخزرج، بل كان منهم أفراد منافقون، وقد ذكر الله عز وجل ذلك في كتابه، لكن أولئك الأفراد كانوا قليلين كما يظهر من الآيات والأحاديث، وكما يعلم ذلك بدلالة المعقول؛ فإنهم لو كانوا هم الأكثر أو كثيرا لكانوا أظهروا كفرهم، ولم يحتاجوا إلى النفاق، ومع ذلك فقد كانوا معروفين عند النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، إن لم يكن علم اليقين فالظن، قال الله عز وجل: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٢٩، ٣٠].

وكانوا مع ذلك خائفين كما قال الله عز وجل فيهم: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: ٤].

وكانوا مع ذلك إلى نقصٍ بالهلاك أو التوبة والإخلاص، والغالب على الظن أن من بقي منهم بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتعرض أحدٌ منهم لِأَن يَذكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا لخوفهم من المؤمنين، وعلمهم بنفاقه: حذيفة أو غيره ممن كان قد أسرَّ إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأسماء المنافقين.

وأما الأعراب فقد قال الله عز وجل: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: ١٤].

والظاهر أن أهل هذه الآية آمنوا بعد ذلك أو غالبهم كما تقتضيه كلمة "لمَّا".

وقد ذكر الله عز وجل فِرقَهُم في سورة التوبة الآيات من (٩٥ - ١٠٥) فذكر أن منهم منافقين، ومنهم مؤمنين مخلصين، ومنهم مخلطين يرجى لهم الخير، وقال في آخر ذلك: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>