للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ابتلاهم الله عز وجل بعد غزوة العسرة بوفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فارتد أقوام من الأعراب فعرفهم المؤمنون حق المعرفة.

وأما الطلقاء من أهل مكة فلم يرتد منهم أحد بعده -صلى الله عليه وسلم-، وقد شملتهم بعض الآيات المتقدمة كما يعلم بمراجعتها، وكذلك تشملهم بعض الأحاديث كالحديث المشهور: "خير الناس قرني ... ".

وبالجملة فتعديل الله عز وجل ورسوله ثابت للمهاجرين عامة، ولم يجيء ما يخصصه.

وأما الأنصار فالثناء عليهم عام، ولكن قد كان من الأوس والخزرج منافقون لكنهم قليل، ولم يحضر من المنافقين أحد بيعة العقبة، ولا شهد بدرا ولا أُحُدا؛ لأن كبيرهم اعتزل بهم، والظاهر أنه لم يبايع تحت الشجرة أَحَدٌ منهم، وقد قيل إنه كان هناك واحد منهم فلم يبايع، وقد سُمي (١).

وقول الله عز وجل في ذكر تخلفهم عن غزوة تبوك: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة: ٤٦، ٤٧].

يقتضي أنه لم يشهد تبوك أحد منهم، ولكن روي أن اثني عشر منهم اعترضوا النبي -صلى الله عليه وسلم- مرجِعَهُ من تبوك، وأرادوا ترديته من العقبة.

وقد يقال - إن صح الخبر (٢): لعل هؤلاء لم يشهدوا تبوك، وإنما ترصدوا قدومه -صلى الله عليه وسلم- من تبوك فالتقوه ببعض الطريق لما همّوا به، ومع ذلك ففي الخبر أن حذيفة عرف هؤلاء.


(١) هو الجدّ بن قيس. راجع "الإصابة" (١/ ٢٣٨).
(٢) وقفت له على طريقين: الأول: أحمد بن عبد الجبار -وهو العطاردي- عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق به. والثاني: ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة به. وفيهما ضعف ظاهر وإرسال. انظر "الدلائل" للبيهقي (٥/ ٢٥٧) وكذا "سننه" (٩/ ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>