هذا وقد سبق أن الظاهر أن من بقي من المنافقين لم يَرِدْ عن أَحَدٍ منهم شيءٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وأما الأعراب فقد تم امتحانهم بوفاته -صلى الله عليه وسلم-، فمن ثبتت منهم الإسلام (١) فقد ثبتت عدالته، ومن ارتد فقد زالت، فمن عاد بعد ذلك إلى الإسلام فيحتاج إلى عدالة جديدة.
وأما الطلقاء فقد شملتهم بعض الآيات كما عرفت، ولم تقع منهم رِدَّةٌ.
ولو اقتصر المخالف في المسألة على القول بأن من تأخر إسلامُه وَقلَّت صحبتُه يحتاج إلى البحث عنهم، لكان لقوله وجهٌ في الجملة، وأوجهُ من ذلك من كان من الأعراب ويحتمل أنه ممن ارتد عقب وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأما من عُلم أنه ممن ارتدَّ فالأمر فيه أظهر.
هذا وقد كان العرب يتحاشون من الكذب، وتأكد ذلك فيمن أسلم؛ وكان أحدهم وإن رَقَّ دينُه - لا يبلغ به أن يجترئ على الكذب على الله ورسوله، وكانوا يرون أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متوافرون، وأنه إن اجترأ أحد على الكذب افتضح.
ولو قال قائل: إن الله تبارك وتعالى منع القوم من تعمُّد الكذب على نبيه -صلى الله عليه وسلم- بمقتضى ضمانه بحفظ دينه ولا سيما مع إخباره بعدالتهم لما أبْعَدَ.
ومن تدبر الأحاديث المروية عمن يُمكن أن يتكلم فيه من الطلقاء ونحوهم ظهر له صدق القوم؛ فإن المروي عن هؤلاء قليل، ولا تكاد تجد حديثا يصح عن أحد منهم إلا وقد صح بلفظه أو معناه عن غيره من المهاجرين أو الأنصار، وقد كانت بين القوم إِحَنٌ بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلو استساغ أحد منهم الكذب لاختلق أحاديث تقتضي ذم خصمه، ولم نجد من هذا شيئًا صحيحا صريحا.
(١) كذا في المطبوع ولعل الصواب: "فمن ثبت منهم على الإسلام".