وذكر مسلم أيضا ونقله أبو رية عن المغيرة بن مقسم قال:"لم يكن يصدق على عليّ -رضي الله عنه- في الحديث عنه إلا من أصحاب عبد الله بن مسعود"؛ وذلك أن ابن مسعود كان بالكوفة في عهد عمر وبعده، فكان له أصحاب طالت صحبتهم له وفقهوا، فلما جاء علي إلى الكوفة أخذوا عنه أيضا وكانوا أوثق أصحابه. وهذه الآثار إنما تدل على فشو الكذب بالكوفة بعد علي -رضي الله عنه-. اهـ.
الموضع الثالث:
وقال في "الأنوار" أيضا (ص ٩٢ - ٩٤):
ذكر أبو رية عن أئمة السنة: إسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، والبخاري، والنسائي، ثم ابن حجر، ما حاصله أنه لم يصح في فضل معاوية حديث.
أقول: هذا لا ينفي الأحاديث الصحيحة التي تشمله وغيره، ولا يقتضي أن يكون كل ما روي في فضله خاصة مجزوما بوضعه.
وبَعْدُ ففي هذه القضية برهان دامغ لما يفتريه أعداء السنة على الصحابة، وعلى معاوية، وعلى الرواة الذين وثقهم أئمة الحديث، وعلى أئمة الحديث، وعلى قواعدهم في النقد.
أما الصحابة -رضي الله عنهم- ففي هذه القضية برهان على أنه لا مجال لاتهام أحد منهم بالكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك أن معاوية كان عشرين سنة أميرا على الشام وعشرين سنة خليفة، وكان في حزبه وفيمن يحتاج إليه جمع كثير من الصحابة منهم كثير ممن أسلم يوم فتح مكة أو بعده، وفيهم جماعة من الأعراب، وكانت الدواعي إلى التعصب له والتزلف إليه متوفرة، فلو كان ثمَّ مساغ لأن يكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد لقيه وسمع منه مسلما لأقدم بعضهم على الكذب في فضل معاوية، وجهر بذلك أمام أعيان التابعين، فينقل ذلك جماعة ممن يوثقهم أئمة السنة فيصح عندهم ضرورة.