للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث يُحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأما إذ ركبتم كل صعب وذلول فهيهات- ولفظ مجاهد: فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس، ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟! فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ابتدرته أبصارنا وأصغينا إلبه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف".

عرف ابن عباس أن بُشيرا ليس بصحابي، ومع ذلك لم يدرك كبار الصحابة، ولعله مع ذلك لم يكن يعرفه بالثقة، وفوق ذلك كان يرسل، لا جرم لم يصغ إلى أحاديثه.

أما استعادته بعضها فكأن المستعاد كان أحاديث يعرفها ابن عباس فأراد أن يصححها لبشير إن كان عنده فيها خطأ.

كانت القصة حوالي سنة ستين كما مر، وقد ظهر الكذب بالعراق قبل ذلك كما يؤخذ مما يأتي، وبشير عراقي فليس في القصة ما يخدش في صدق الصحابة -رضي الله عنهم-، ولا ما يدل على ظهور الكذب بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بمدة يسيرة. وقوله في إحدى روايتي طاوس: "تركنا الحديث عنه"، يريد تركنا أخذ الحديث عنه إلا من حيث نعرف.

وذكر (ص ٤٤) ما في مقدمة "صحيح" مسلم أيضا عن ابن أبي مليكة: "كتبتُ إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتابا ويخفي عني فقال: ولد ناصح، وأنا أختار له الأمور اختيارا وأخفي عنه، قال: فدعا بقضاء عليّ -رضي الله عنه- فجعل يكتب منه أشياء ويمر به الشيء فيقول: والله ما قضى بهذا علي إلا أن يكون ضل".

أقول: أورد مسلم بعد هذا: "عن طاوس قال: أُتي ابن عباس بكتاب فيه قضاء علي ... ثم أورد: "عن أبي إسحاق قال: لما أحدثوا تلك الأشياء بعد عليّ -رضي الله عنه- قال رجل من أصحاب عليّ: قاتلهم الله أي عِلم أفسدوا".

التفّ حول عليّ -رضي الله عنه- بالكوفة نفر ليس لهم علم ولا كبير دين، وذاك الكتاب جُمع من حكاياتهم وحكايات غيرهم عن قضاء عليّ، وجيء إلى ابن عباس بنسخة منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>