وتلك القضية براءة لهم؛ فلو كانوا من أهل الهوى المُتَّبَع لأمكنهم أن يصححوا عدة أحاديث في فضل معاوية، أو يسكتوا على الأقل عن التصريح بأن كل ما روي في ذلك غير صحيح.
وأما قواعدهم في النقد فلا ريب أن نجاحها في هذا الأمر -وهو من أشد معتركات الأهواء- من أقوى الأدلة على وفائها بما وُضعت له". اهـ.
الموضع الرابع:
وقال في "الأنوار" أيضًا (ص ٢٨٢):
"ثم ذكر يعني أبا رية (ص ٣٢٤ - ٣٢٧) كلاما للدكتور طه حسين ذكره في معرض الرد على الذين يكذّبون غالب ما روي من الأحداث في زمن عثمان ويقولون إنه: "على كل حال لم يرد إلا الخير، ولم يكن يريد ولا يمكن أن يريد إلا الخير" ويرون في سائر الصحابة أنهم "يخطئون ويصيبون، ولكنهم يجتهدون دائما ويسرعون إلى الخير دائما فلا يمكن أن يتورطوا في الكبائر، ولا أن يحدثوا إلا هذه الصغائر التي يغفرها الله للمحسنين من عباده".
أقول: أما أهل العلم من أهل السنة فلا يقولون في عثمان ولا في غيره من آحاد الصحابة إنه معصوم مطلقا أو من الكبائر، وإنما يقولون في المبشَّرين بالجنة: إنه لا يمكن أن يقع منهم ما يحول بينهم وبين ما بُشروا به, وإن الصحابي الذي سمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يُعرف بنفاق في عهده ولا ارتد بعد موته لا يكذب عليه -صلى الله عليه وسلم- متعمدا، وقد تقدم بيان ذلك، ولا يُظن به أن يرتكب كبيرة غير متأوِّل ويصرّ عليها.
والعارف المنصف لا يستطيع أن يجحد أن هذه الحال كانت هي الغالبة فيهم، فالواجب الحمل عليها ما دام ذلك محتملا، وعلماء السنة يجدون الاحتمال قائما في كل ما نقل نقلا ثابتا، نعم قد يبعد في بعض القضايا ولكنهم يرونه مع بعده أقرب من ضده، وذلك مبسوط في كتبهم.