وفي "تهذيب التهذيب"(ج ١ ص ١٥٢): "قال إسحاق بن إبراهيم: أخذ الرشيد زنديقًا فأراد قتله فقال: أين أنت من ألف حديث وضعتُها؟ فقال له: أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلانها حرفًا حرفًا؟ "
وقيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة. وتلا قول الله عز وجل:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩].
والذكر يتناول السنة بمعناه إن لم يتناولها بلفظه، بل يتناول العربية وكل ما يتوقف عليه معرفة الحق، فإن المقصود من حفظ القرآن أن تبقى الحجة قائمة والهداية دائمة إلى يوم القيامة؛ لأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء، وشريعته خاتمة الشرائع، والله عز وجل إنما خلق الخلق لعبادته فلا يقطع عنهم طريق معرفتها، وانقطاع ذلك في هذه الحياة الدنيا انقطاع لعلة بقائهم فيها.
قال العراقي في "شرح ألفيته"(ج ١ ص ٢٦٧):
"روينا عن سفيان قال: ما ستر الله أحدًا يكذب في الحديث. وروينا عن عبدالرحمن بن مهدي أنه قال: لو أن رجلًا هَمَّ أن يكذب في الحديث لأسقطه الله. وروينا عن ابن المبارك قال: لو هَمَّ رجل في السَّحَر أن يكذب في الحديث لأصبح والناس يقولون: فلان كذاب". اهـ.
الموضع الثاني:
وقال في "الأنوار الكاشفة"(ص ٨٩):
"وهو [يعني الوضع في الحديث] واقع في الجملة, ولكن المستشرقين والمنحرفين عن السنة يطوّلون في هذا ويهوّلون ويهملون ما يقابله، ومثلهم مثل من يحاول منع الناس من طلب الحقيقي الخالص من الأقوات والسمن والعسل، والعقاقير، والحرير والصوف، والذهب والفضة، واللؤلؤ والياقوت، والمسك والعنبر، وغير ذلك بذكر ما وقع من التزوير والتلبيس والتدليس والغش في هذه الأشياء ويطيل في ذلك.