للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعاقل يعلم أن الحقيقي الخالص من هذه الأشياء لم يُرفع من الأرض، وأن في أصحابها وتجارها أهل صدق وأمانة وأن في الناس أهل خبرة ومهارة - يميزون الحقيقي الخالص من غيره، فلا يكاد يرجع الضرر إلا على من لا يرجع إلى أهل الخبرة من جاهل ومقصر ومن لا يبالي ما أخذ.

والمؤمن يعلم أن هذه ثمرة عناية الله عز وجل بعباده في دنياهم، فما الظن بعنايته بدينهم؟ لابد أن يكون أتم وأبلغ. ومن تتبع الواقع وتدبَّره وأنعم النظر تبين له ذلك غاية البيان ... (١)

وكان أهل العلم يشددون في اختيار الرواة أبلغ التشديد، جاء عن بعضهم -أظنه الحسن بن صالح بن حَيّ- أنه قال: كنا إذا أردنا أن نسمع الحديث من رجل سألنا عن حاله حتى يقال: أتريدون أن تزوجوه؟

وجاء جماعة إلى شيخ ليسمعوا منه، فرأوه خارجًا وقد انفلتت بغلته وهو يحاول إمساكها وبيده مخلاة يريها إياها، فلاحظوا أن المخلاة فارغة، فرجعوا ولم يسمعوا منه، قالوا: هذا يكذب على البغلة فلا نأمن أن يكذب في الحديث.

وذكروا أن شعبة كان يتمنى لقاء رجل مشهور ليسمع منه، فلما جاءه وجده يشتري شيئا ويسترجح في الميزان، فامتنع شعبة من السماع منه.

وتجد عدة نظائر لهذا ونحوه في "كفاية" الخطيب (ص ١١٠ - ١١٤).

وكان عامّة علماء القرون الأول وهي قرون الحديث مقاطعين للخلفاء والأمراء، حتى كان أكثرهم لا يقبل عطاء الخلفاء والأمراء ولا يرضى بتولي القضاء، ومنهم من كان الخلفاء يطلبونهم ليكونوا بحضرتهم ينشرون العلم فلا يستجيبون، بل يفرّون ويستترون.


(١) ثم أشار المعلمي بلى ما يتعلق بعدالة الصحابة والتابعين وقد أفردتهما بالذكر آنفًا في الفصل الثالث والرابع من فصول "العدالة" فراجعه إن شئت.

<<  <  ج: ص:  >  >>