للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُدَّتْ شهادتُه، وإن لم يضر بغيره؛ لأن الكذب حرام بكل حال، وروى فيه حديثا، وظاهر الأحاديث السابقة أو صريحها يوافقه، وكأن وجه عُدولهم عن ذلك ابتلاء أكثر الناس به، فكان كالغيبة، على ما مر فيه عند جماعة".

أقول: لا يلزم من التسامح في الشاهد أن يتسامح في الراوي لوجوه:

الأول: أن الرواية أقرب إلى حديث الناس من الشهادة، فإن الشهادة تترتب على خصومة، ويحتاج الشاهد إلى حضور مجلس الحكم، ويأتي باللفظ الخاص الذي لا يحتاج إليه في حديث الناس، ويتعرض للجرح فورا.

فمن جربت عليه كذبة في حديث الناس لا يترتب عليها ضرر، فخوف أن يجره تساهله في ذلك إلى التساهل في الرواية أشد من خوف أن يجره إلى شهادة الزور.

الثاني: أن عماد الرواية الصدق، ومعقول أن يشدد فيها فيما يتعلق به ما لم يشدد في الشهادة، وقد خفف الرواية في غير ذلك ما لم يخفف في الشهادة؛ تقوم الحجة بخبر الثقة ولو واحدا، أو عبدا، أو امرأة، أو جالب منفعة إلى نفسه، أو أصله، أو فرعه، أو ضرر على عدوه -كما يأتي- بخلاف الشهادة، فلا يليق بعد ذلك أن يخفف في الرواية فيما يمس عمادها.

الثالث: أن الضرر الذي يترتب على الكذب في الرواية أشد جدا من الضرر الذي يترتب على شهادة الزور، فينبغي أن يكون الاحتياط للرواية آكد.


= فروع تلقاها الروياني عن أبيه وجده, ومسائل أخر، فهو أكثر من "الحاوي" فروعا، وإن كان "الحاوي" أحسن ترتيبا وأوضح تهذيبا". اهـ.
وقال السبكي نقلا عن "البحر" (٧/ ١٩٨): "وجزم -أي الروياني- بأن الكذب عن قصد يرد الشهادة، قال: لأنه حرام بكل حال قال: قال القفال: إلا أن يكون على عادة الكتاب والشعراء في المبالغة". اهـ.
والروياني بضم الراء، وسكون الواو، كما في الأنساب.

<<  <  ج: ص:  >  >>