للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أجاز الحنفية قبول شهادة الفاسق دون روايته, والتخفيف في الرواية بما تقدم من قيام الحجة بخبر الرجل الواحد وغير ذلك لا ينافي كونها أولى بالاحتياط؛ لأن لذلك التخفيف حِكما أخرى، بل ذلك يقتضي أن لا يخفف فيها فيما عدا ذلك فتزداد تخفيفا على تخفيف.

الرابع: أن الرواية يختص لها قوم محصورون، ينشأون على العلم والدين والتحرز عن الكذب، والشهادة يحتاج فيها إلى جميع الناس؛ لأن المعاملات والحوادث التي يحتاج إلى الشهادة عليها تتفق لكل أحد، ولا يحضرها غالبا إلا أوساط الناس وعامتهم.

والذين ينشأون على التساهل، فمعقول أنه لو رُدَّتْ شهادةُ كل من جُربت عليه كذبة، لضاعت حقوق كثيرة جدا، ولا كذلك الرواية.

نعم، الفلتة والهفوة التي لا ضرر فيها ويعقبها الندم، وما يقع من الإنسان في أوائل عمره, ثم يقلع عنه, ويتوب منه, وما يدفع به ضرر شديد، ولا ضرر فيه, وصاحبه مع ذلك مستوحش منه ربما يغتفر (١) والله أعلم.

* * *


(١) من الفروق بين الكاذب في الحديث النبوي، والكاذب في حديث الناس، أن الأول لو ثبت عنه ولو مرة واحدة لا يقبل حديثه أبدا ولو تاب، بخلاف شاهد الزور إذا تاب وأما الثاني فيقبل حديثه إذا صحت توبته, وقد سبق قول الخطيب البغدادي في "الكفاية" ص (١٩٠): " ... ويجب أن يقبل حديثه إذا ثبت توبته".
وقال في "النخبة النبهانية بشرح المنظومة البيقونية" ص (٣٧) عن الحديث "المتروك": "وهو أخف من "الموضوع"، وهذا الرجل إذا تاب وصحت توبته, وظهرت أمارات الصدق فيه جاز سماع الحديث منه، والذي يقع منه أحيانا نادرا في كلامه غير الحديث النبوي، فذلك غير مؤثر في تسمية حديثه بـ "الموضوع" أو "المتروك".

<<  <  ج: ص:  >  >>