بعض أهل العصر متابعات صحيحة، وإلا حيث يختلف المتقدمون فيسعى في الترجيح، فأما من وثقه إمام من المتقدمين أو أكثر ولم يتهمه أحد من الأئمة فيحاول بعض أهل العصر أن يكذبه أو يتهمه فهذا مردود؛ لأنه إن تهيأ له إثباتُ بطلان الخبر عن ذلك الراوي ثبوتًا لا ريب فيه فلا يتهيأ له الجزم بأنه تفرد جمع ولا أن شيخه لم يروه قط، ولا النظر الفني الذي يحق لصاحبه أن يجزم بتعمد الراوي للكذب أو يتهمه به.
بلى قد يتيسر بعض هذه الأمور فيمن كذبه المتقدمون، لكن مع الاستناد إلى كلامهم، كما يأتي في ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت، وترجمة محمد بن سعيد البورقي.
وإن كان الأستاذ -يعني الكوثري- يخالف في ذلك؛ فيصدق من كذبه الأئمة وكذبُه واضحٌ، كما يكذب أو يتهم من صدقوه وصدقُه ظاهرٌ، شأن المحامين في المحاكم؛ معيار الحق عند أحدهم مصلحة موكله!
... الوجه الثاني: مقتضى اللغة، والتهمة عند أهل اللغة مشتقة من الوهم، وهو كما في (القاموس): (من خطرات القلب أو مرجوح طرفي المتردد فيه).
والتهمة بهذا المعنى تعرض في الخبر إذا كان فيه إثبات ما يظهر أن المخبر يحب أن يعتقد السامع ثبوته؛ وذلك كشهادة الرجل لقريبه وصديقه وعلى من بينه وبينه نفرة، وكذلك إخباره عن قريبه أو صديقه بما يحمد عليه، وإخباره عمن هو نافر عنه بما يذم عليه.
وقِسْ على هذا كُلَّ ما من شأنه أن يدعو إلى الكذب، وتلك الدواعي تخفى وتتفاوت آثارها في النفوس وتتعارض، وتعارضها الموانع من الكذب، وقد تقدمت الإشارة إليها في الفصل الخامس، فلذاك اكتفى الشارع في باب الرواية بالإسلام والعدالة والصدق، فمن ثبتت عدالته وعُرف بتحري الصدق من المسلمين، فهو على العدالة والصدق في أخباره، لا يقدح في إخباره أن يقوم بعض تلك الدواعي، ولا أن يتهمه