من لا يعرف عدالته، أو لا يعرف أثر العدالة على النفس أو من له هوى مخالف لذلك الخبر، فهو يتمنى أن لا يصح، كما قال المتنبي:
شقّ الجزيرة حتى جاءني نبأ ... فزعت منه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع إلى صدقه أملًا ... شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
وكأنه أخذه من قول الأول:
إني أتتني لسان ما أسر بها ... من علو لا عجب فيها ولا سخر
جاءت مرجة قد كنت أحذرها ... لو كان ينفعني الإشفاق والحذر
تأتي على الناس لا تلوي على ... حتى أتتنا وكانت دوننا مضر
إذا يعادُله ذكر أكذبه ... حتى أتتني بها الأنباء والخبر
وجماعة من الصحابة روى كل منهم فضيلةً لنفسه, يرون أن على الناس قبول ذلك منهم، فتلقت الأمة ذلك بالقبول، وكان من الصحابة والتابعين يقاتلون الخوارج، ثم روى بعض أولئك التابعين عن بعض أولئك الصحابة أحاديث في ذم الخوارج، فتلقت الأمة تلك الأحاديث بالقبول.
وكثيرًا ما ترى في تراجم ثقات الرواة من التابعين فمن بعدهم إخبار الرجل منهم بثناء غيره عليه، فيتلقى أهل العلم ذلك بالقبول، وقبلوا من الثقة دعواه ما يُمكن من صحبته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لأصحابه أو إدراكه لكبار الأئمة وسماعه منهم وغير ذلك مما فيه فضيلة للمدعي وشرف له وداع للناس إلى الإقبال عليه وتبجيله والحاجة إليه.
ولم يكن أهل العلم إذا أرادوا الاستيثاق من حال الرواي يسألون إلا عما يمسّ دينه وعدالته.