ونص أهل العلم على أن الرواية في ذلك مخالفة للشهادة، وفي (التحرير) لابن الهمام الحنفي مع (شرحه) لابن أمير حاج (جـ ٣ ص ٢٤٥): (وأما الحرية والبصر وعدم الحد في قذف) وعدم (الولاد و) عدم (العداوة) الدنيوية (فتختص بالشهادة) أي تُشترط فيها، لا في الرواية).
فأما الشهادة فإن الشرع شرط لها أمورًا أخرى مع الإسلام والعدالة كما أشار إليه ابن الهمام، وشرط في إثبات الزنا أربعة ذكور، وفي غيره من الحدود ونحوها ذكرين، وفي الأموال ونحوها رجلا وامرأتين إلى غير ذلك.
فأما الشهادة للنفس فمتفق على أنها لا تُقبل، وأما الشهادة للأصل وللفرع وللزوج وعلى العدو ففيها خلاف، وفي بعض كتب الفقه أن الرد في ذلك لأجل التهمة، وظاهر هذا أن التهمة هي العلة، فيبني عليها قياس غير المنصوص عليه، وهذا غير مستقيم؛ إذ ليس كل شاهدٍ لنفسه حقيقا بأن يُتهم؛ ألا ترى أن كبار الصحابة وخيار التابعين لو شهد أحدهم لنفسه لم نتهمه، ولا سيما إذا كان غنيًا والمشهود به يسيرًا كخمسة دراهم، والمشهود عليه معروفًا بجحد الحقوق.
أقول هذا لزيادة الإيضاح، وإلا فالواقع أننا لا نتهمهم مطلقًا، حتى لو شهد أحدهم لنفسه على آخر منهم وأنكر ذاك لم نتهم واحدًا منهما، بل نعتقد أن أحدهما نسي أو غلط، وليس ذلك خاصًا بهم، بل كل من ثبتت عدالتُه لا يتهمه عارفوه الذين يعدلونه ولا الواثقون بتعديل المعدلِّين، فإن اتهمه غيرهم كان معنى ذلك أنه غير واثق بتعديل المعدلِّين، ومتى ثبت التعديل الشرعي لم يُلتفت إلى من لا يثق به.
ولو كان لك أن تعدل الرجل وأنت لا تأمن أن يدعي الباطل ويشهد لنفسه زورًا بخمسة دراهم مثلًا، لكان لك أن تعدل من تتهمه بأنه لو رشاه رجل عشرة دراهم أو أكثر لشهدوا له زورًا، وهذا باطل قطعًا؛ فإن تعديلك للرجل إنما هو شهادة منك